فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أَيْ مِنَ الْأَجْرَامِ الَّتِي تَجْعَلُونَهَا شُرَكَاءَ لِخَالِقِهَا، وَلَمَّا أَفَلَتِ الشَّمْسُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ يُمَثِّلُ لَهُمْ بِهِ وَظَهَرَتْ حُجَّتُهُ وَقَوِيَ بِذَلِكَ عَلَى مُنَابِذَتِهِمْ تَبَرَّأَ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ، وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يُقَالَ: اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا لِلْإِلَهِيَّةِ لِغَلَبَةِ نُورِ الْقَمَرِ نُورَ الزُّهْرَةِ وَنُورِ الشَّمْسِ لِنُورِهِ وَقَهْرِ تِيكَ بِذَاكَ وَهَذَا بِتِلْكَ، وَالرَّبُّ لَا يُقْهَرُ وَالظَّلَامُ غَلَبَ نُورَ الشَّمْسِ وَقَهَرَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَضْلِ: مَا جَاءَ الظَّلَامُ إِلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا حَتَّى يُقَالَ قَهَرَهَا وَقَهَرَ نُورَهَا انْتَهَى، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنْ شَأْنِ الْحُدُوثِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا بَانَ فِي هَذِهِ النَّيِّرَاتِ الرَّفِيعَةِ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرُّبُوبِيَّةِ فَأَصْنَامُكُمُ الَّتِي مِنْ خَشَبٍ وَحِجَارَةٍ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهَا وَمَثَّلَ لَهُمْ بِهَذِهِ النَّيِّرَاتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ نَظَرٍ فِي الْأَفْلَاكِ وَتَعَلُّقٍ بِالنُّجُومِ وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ هَذِهِ النَّيِّرَاتِ كَانَتْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، رَأَى الْكَوْكَبَ الزُّهْرَةَ أَوِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ جَانِحًا لِلْغُرُوبِ فَلَمَّا أَفَلَ بَزَغَ الْقَمَرُ فَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهِ فَسَرَى اللَّيْلُ أَجْمَعَ فَلَمَّا بَزَغَتِ الشَّمْسُ زَالَ ضَوْءُ الْقَمَرِ قَبْلَهَا لِانْتِشَارِ الصَّبَاحِ وَخَفِيَ نُورُهُ وَدَنَا أَيْضًا مِنْ مَغْرِبِهِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ أُفُولًا لِقُرْبِهِ مِنَ الْأُفُولِ التَّامِّ عَلَى تَجَوُّزٍ فِي التَّسْمِيَةِ ثُمَّ بَزَغَتِ الشَّمْسُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا التَّرْتِيبُ يَسْتَقِيمُ فِي اللَّيْلَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ إِلَى لَيْلَةِ عِشْرِينَ، وَلَيْسَ يَتَرَتَّبُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ إِلَّا فِي هَذِهِ اللَّيَالِي وَبِذَلِكَ التَّجَوُّزِ فِي أُفُولِ الْقَمَرِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ هُوَ مَا وَضَعَتْهُ لَهُ الْعَرَبُ مِنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى هَذِهِ النَّيِّرَاتِ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ رُؤْيَةُ قَلْبٍ، وَعُبِّرَ بِالْكَوْكَبِ عَنِ النَّفْسِ الْحَيَوَانِيَّةِ الَّتِي لِكُلِّ كَوْكَبٍ وَبِالْقَمَرِ عَنِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ الَّتِي لِكُلِّ فَلَكٍ، وَبِالشَّمْسِ عَنِ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لِكُلِّ فَلَكٍ وَكَانَ ابْنُ سِينَا يُفَسِّرُ الْأُفُولَ بِالْإِمْكَانِ فَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُفُولِهَا إِمْكَانُهَا لِذَاتِهَا، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ مُؤَثِّرٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ الْكَوْكَبَ عَلَى الْحِسِّ وَالْقَمَرَ عَلَى الْخَيَالِ وَالْوَهْمِ وَالشَّمْسَ عَلَى الْعَقْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْقُوَى الْمُدْرَكَةَ الثَّلَاثَةَ قَاصِرَةٌ مُتَنَاهِيَةُ الْقُوَّةِ، وَمُدَبِّرُ الْعَالَمِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا قَاهِرٌ لَهَا انْتَهَى، وَهَذَانِ التَّفْسِيرَانِ شَبِيهَانِ بِتَفْسِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ إِذْ هُمَا لُغْزٌ وَرَمْزٌ يُنَزَّهُ كِتَابُ اللَّهِ عَنْهُمَا وَلَوْلَا أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ وَغَيْرَهُ قَدْ نَقَلَهُمَا فِي التَّفْسِيرِ، لَأَضْرَبْتُ عَنْ نَقْلِهِمَا صَفْحًا إِذْ هُمَا مِمَّا نَجْزِمُ بِبُطْلَانِهِ وَمِنْ تَفْسِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِمَامِيَّةِ وَنَسَبُوهُ إِلَى عَلِيٍّ أَنَّ الْكَوْكَبَ هُوَ الْمَأْذُونُ، وَهُوَ الدَّاعِي وَالْقَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute