للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّاحِقُ وَهُوَ فَوْقَ الْمَأْذُونِ بِمَنْزِلَةِ الْوَزِيرِ مِنَ الْإِمَامِ وَالشَّمْسَ الْإِمَامُ وَإِبْرَاهِيمَ فِي دَرَجَةِ الْمُسْتَجِيبِ، فَقَالَ لِلْمَأْذُونِ: هَذَا رَبِّي عَنَى رَبَّ التَّرْبِيَةِ لِلْعِلْمِ فَإِنَّهُ يُرَبِّي الْمُسْتَجِيبَ بِالْعِلْمِ وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَلَ فَنِيَ مَا عِنْدَ الْمَأْذُونِ مِنَ الْعِلْمِ رَغِبَ عَنْهُ وَلَزِمَ اللَّاحِقَ فَلَمَّا فَنِيَ مَا عِنْدَهُ رَغِبَ عَنْهُ وَتَوَجَّهَ إِلَى التَّالِي وَهُوَ الصَّامِتُ الَّذِي يَقْبَلُ الْعِلْمَ مِنَ الرَّسُولِ الَّذِي يُسَمَّى النَّاطِقَ لِأَنَّهُ يُنْطِقُ بِجَمِيعِ مَا يَنْطِقُ بِهِ الرَّسُولُ فَلَمَّا فَنِيَ مَا عِنْدَهُ ارْتَقَى إِلَى النَّاطِقِ وَهُوَ الرَّسُولُ وَهُوَ الْمُصَوِّرُ لِلشَّرَائِعِ عِنْدَهُمْ انْتَهَى هَذَا التَّخْلِيطُ، وَاللُّغْزُ الَّذِي لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَاتِ وَالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَبْلَ هَذَا شَبِيهَانِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ الْمُسْتَحِيلِ وَلِلْمَنْسُوبَيْنِ إِلَى الصُّوفِ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْوَاعٌ مِنْ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أَحَاطَ بِهِ سُجُوفُ الطَّلَبِ وَلَمْ يَتَجَلَّ لَهُ بَعْدُ صَبَاحُ الْوُجُودِ فَطَلَعَ لَهُ نَجْمُ الْعُقُولِ فَشَاهَدَ الْحَقَّ بِسِرِّهِ بِنُورِ الْبُرْهَانِ فَقَالَ: هَذَا رَبِّي ثُمَّ زِيدَ فِي ضِيَائِهِ فَطَلَعَ قَمَرُ الْعِلْمِ وَطَالَعَهُ بِسِرِّ الْبَيَانِ، فَقَالَ: هَذَا رَبِّي ثُمَّ أَسْفَرَ الصُّبْحُ وَمُتِعَ النَّهَارُ وَطَلَعَتْ شَمْسُ الْعِرْفَانِ مِنْ بُرْجِ شَرَفِهَا فَلَمْ يَبْقَ لِلطَّلَبِ مَكَانٌ وَلَا لِلتَّجْوِيزِ حُكْمٌ وَلَا لِلتُّهْمَةِ قَرَارٌ، فَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِذْ لَيْسَ بَعْدَ الْبَعْثِ رَيْبٌ وَلَا بَعْدَ الظُّهُورِ سِتْرٌ انْتَهَى، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْمٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الصُّوفِ هُمْ خَوَاصُّ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامُ.

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً أَيْ أَقْبَلْتُ بِقَصْدِي وَعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي وَإِيمَانِي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعُمُّهُ الْمَعْنَى الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِوَجْهِي لِلَّذِي ابْتَدَعَ الْعَالَمَ مَحِلَّ هَذِهِ النَّيِّرَاتِ الْمُحْدَثَاتِ وَغَيْرِهَا، وَاكْتَفَى بِالظَّرْفِ عَنِ الْمَظْرُوفِ لِعُمُومِهِ إِذْ هَذِهِ النيرات مظروف السموات وَلَمَّا كَانَتِ الْأَصْنَامُ الَّتِي يعبدها قومه النيرات ومن خَشَبٍ وَحِجَارَةٍ وَذَكَرَ ظَرْفَ النَّيِّرَاتِ عَطَفَ عَلَيْهِ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ ظَرْفُ الْخَشَبِ والحجارة، وحَنِيفاً مَائِلًا عَنْ كُلِّ دِينٍ إِلَى دِينِ الْحَقِّ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُسْلِمًا أَيْ مُنْقَادًا إِلَيْهِ مُسْتَسْلِمًا لَهُ.

وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَمَّا أَنْكَرَ عَلَى أَبِيهِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَضَلَّلَهُ وَقَوْمَهُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ضَلَالِهِمْ بِقَضَايَا الْعُقُولِ إِذْ لَا يُذْعِنُونَ لِلدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لِتَوَقُّفِهِ فِي الثُّبُوتِ عَلَى مُقَدَّمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَبْدَى تِلْكَ الْقَضَايَا مَنُوطَةً بِالْحِسِّ الصَّادِقِ تَبَرَّأَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ وَأَكَّدَ ذلك بأن ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَجَّهَ عِبَادَتَهُ لِمُبْدِعِ الْعَالَمِ الَّتِي هَذِهِ النَّيِّرَاتُ الْمُسْتَدَلُّ بِهَا، بَعْضُهُ ثُمَّ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُبَالَغَةً فِي التَّبَرُّؤِ مِنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>