مَضَرَّتِي انْتَهَى، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا مِنْ عُمُومِ الْأَزْمَانِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّفْيُ وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمُنْقَطِعًا إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَّصِلًا مُسْتَثْنًى مِنَ الْأَحْوَالِ وَقَدَّرَهُ إِلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ رَبِّي أَيْ لَا أَخَافُهَا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَانْتَصَبَ شَيْئًا عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ مَشِيئَةً أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ذَكَرَ عَقِيبَ الِاسْتِثْنَاءِ سَعَةَ عِلْمِ اللَّهِ فِي تَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْكَوَائِنِ فَقَدْ لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ عِلْمُهُ بِإِنْزَالِ الْمَخُوفِ بِي إِمَّا مِنْ جِهَتِهَا إِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا أَوْ مُطْلَقًا إِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا وَانْتَصَبَ عِلْمًا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ مِنَ الْفَاعِلِ، أَصْلُهُ وَسِعَ عِلْمُ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ.
أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى غَفْلَتِهِمْ حَيْثُ عَبَدُوا مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَأَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَعَلَى مَا حَاجَّهُمْ بِهِ مِنْ إِظْهَارِ الدَّلَائِلِ الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ صَلَاحِيَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ لِلرُّبُوبِيَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فَتُمَيِّزُوا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ، وَقِيلَ: أَفَلَا تَتَّعِظُونَ بِمَا أَقُولُ لَكُمْ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ أَنَّ نَفْيَ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ عَنِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ حُلُولَ الْعَذَابِ وَنُزُولَ الْعِقَابِ.
وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ وَالْإِنْكَارُ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ فَسَادِ عُقُولِهِمْ حَيْثُ خَوَّفُوهُ خَشَبًا وَحِجَارَةً لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَهُمْ لَا يَخَافُونَ عُقْبَى شِرْكِهِمْ بِاللَّهِ وَهُوَ الَّذِي بِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ وَالْأَمْرُ كُلُّهُ وَلا تَخافُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَخافُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ وَاخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُ الْخَوْفِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَّقَ الْخَوْفَ بِالْأَصْنَامِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ عَلَّقَهُ بِإِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى تَرْكًا لِلْمُقَابَلَةِ، وَلِئَلَّا يَكُونَ اللَّهُ عَدِيلَ أَصْنَامِهِمْ لَوْ كَانَ التَّرْكِيبُ وَلَا تَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَتَى بِلَفْظِ مَا الْمَوْضُوعَةِ لِمَا لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَعْقِلُ إِذْ هِيَ حِجَارَةٌ وَخَشَبٌ وَكَوَاكِبُ، وَالسُّلْطَانُ الْحَجَّةُ وَالْإِشْرَاكُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُجَّةً وَكَأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ عَلَى بُطْلَانِ الشُّرَكَاءِ وَرُبُوبِيَّتِهِمْ، نَفَى أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَسَمْعًا فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ، وَقُرِئَ سُلْطاناً بِضَمِّ اللَّامِ وَالْخِلَافُ هَلْ ذَلِكَ لُغَةٌ فَيَثْبُتُ بِهِ بِنَاءُ فُعُلَانٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ أَوْ هُوَ اتِّبَاعٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ.
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمَّا خَوَّفُوهُ فِي مَكَانِ الْأَمْنِ وَلَمْ يَخَافُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute