للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ عَائِدٌ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنَّصَارَى قَالَتْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَالْيَهُودُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَطَوَائِفُ مِنَ الْعَرَبِ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى بَنَاتٍ الْمَلَائِكَةَ وَبَنُو مُدْلِجٍ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ فَوَلَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ طَائِفَةً يُسَمَّوْنَ الْجِنَّ وَإِبْلِيسُ مِنْهُمْ وَهُمْ خَدَمُ الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ الطَّوَائِفُ كُلُّهَا أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَاعْتَقَدُوا الْإِلَهِيَّةَ فِيمَنْ لَيْسَتْ لَهُ، فَجَعَلُوهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ أَنْفُسَهُمْ، وَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ مُخَالِفٌ لِهَذَا الظَّاهِرِ، إِذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشُّرَكَاءَ هِيَ الْأَوْثَانُ وَأَنَّهُ جَعَلَتْ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ تَشْرِيكًا لَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ كَانَ التَّشْرِيكُ نَاشِئًا عَنْ أَمْرِهِ وَإِغْوَائِهِ وَكَذَا قَالَ إِسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ: أَرَادَ بِالْجِنِّ إِبْلِيسَ أَمَرَهُمْ فَأَطَاعُوهُ، وَظَاهِرُ لَفْظِ الْجِنِّ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَتَبَادَرُ إِلَيْهِمُ الذِّهْنُ مِنْ أَنَّهُمْ قَسِيمُ الْإِنْسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ

«١» وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا الملائكة لقوله: ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ «٢» قَالُوا: سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ، فَالْآيَةُ مُشِيرَةٌ إِلَى الَّذِينَ جَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَكَانَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْعَرَبِ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَتَسْتَجِيرُ بِجِنِّ الْأَوْدِيَةِ فِي أَسْفَارِهَا.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَصْبِ الْجِنَّ وَأَعْرَبَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ مَفْعُولًا أَوَّلًا بِجَعَلُوا وَجَعَلُوا بمعنى صيروا وشُرَكاءَ مَفْعُولٌ ثَانٍ ولِلَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِشُرَكَاءَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإِنْ قُلْتَ) : فَمَا فَائِدَةُ التَّقْدِيمِ (قُلْتُ) : فَائِدَتُهُ اسْتِعْظَامُ أَنْ يُتَّخَذَ لِلَّهِ شَرِيكٌ مَنْ كَانَ مَلَكًا أَوْ جِنِّيًّا أَوْ إِنْسِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ انْتَهَى، وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْجِنَّ بدلا من شُرَكاءَ ولِلَّهِ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وشُرَكاءَ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَمَا أَجَازَاهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ لِلْبَدَلِ أَنْ يَحِلُّ مَحَلَّ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُنْتَظِمًا لَوْ قُلْتَ وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنَّ لَمْ يَصِحَّ وَشَرْطُ الْبَدَلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ مَعْمُولًا لِلْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ عَلَى قَوْلٍ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ هُنَا الْبَتَّةَ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَجَازَ الْحَوْفَيُّ أَنْ يَكُونَ شُرَكاءَ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ والْجِنَّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ تَرْتِيبُ النَّظْمِ، وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شُرَكاءَ حَالًا وَكَانَ لَوْ تَأَخَّرَ لِلشُّرَكَاءِ وَأَحْسَنَ مِمَّا أَعْرَبُوهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أُسْتَاذِنَا الْعَلَّامَةِ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن الزبير الثَّقَفِيِّ يَقُولُ فِيهِ قَالَ انْتَصَبَ الْجِنَّ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلِ جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قِيلَ: الْجِنَّ أَيْ جَعَلُوا الْجِنَّ وَيُؤَيِّدُ هذا المعنى قراءة أبي حيوة


(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٣٣.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>