للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ: تَقْلِيبُ أَفْئِدَتِهِمْ بُلُوغُهَا الْحَنَاجِرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ «١» .

وَقِيلَ: تَقْلِيبُ أَبْصَارِهِمْ إِلَى الزُّرْقَةِ وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ ضَعِيفٌ قَلِقُ النَّظْمِ، لِأَنَّ التَّقْلِيبَ فِي الْآخِرَةِ وَتَرْكَهُمْ فِي الطُّغْيَانِ فِي الدُّنْيَا، فَيَخْتَلِفُ الظَّرْفَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ مُسْتَأْنَفٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَالْكَافُ فِي كَما ذَكَرْنَا أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ قَلِيلًا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ كَما: هِيَ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ أَيْ لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ نُجَازِيهِمْ بِأَنْ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عَنِ الْهُدَى وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَنَحْنُ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ جَزَاءً لِمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِمَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الشَّرْعِ. قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَهُوَ مَعْنَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إِلَّا أَنَّ تَسْمِيَةَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ غَرِيبَةٌ، لَا يُعْهَدُ فِي كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ الْكَافَ للمجازاة.

وقيل للتشبيه قِيلَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ثَانِيَ مَرَّةٍ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.

وَقِيلَ: الْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَقْلِيبًا لِكُفْرِهِمْ، أَيْ عُقُوبَةً مُسَاوِيَةً لِمَعْصِيَتِهِمْ، قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ.

وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ: لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ إِيمَانًا ثَانِيًا كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ انْتَهَى. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ أَوِ الْقُرْآنِ أَوِ الرَّسُولِ، أَقْوَالٌ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى التَّقْلِيبِ، وَانْتَصَبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ زَمَانٍ.

وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَيُقَلِّبُ وَيَذَرُهُمْ بِالْيَاءِ فِيهِمَا وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ اللَّهِ.

وَقَرَأَ أَيْضًا فِيمَا رَوَى عَنْهُ مُغِيرَةُ وَتُقَلَّبُ أَفْئِدَتُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ، بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَيَذَرُهُمْ بِالْيَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَافَقَهُ عَلَى وَيَذَرُهُمُ الْأَعْمَشُ والهمداني.


(١) سورة غافر: ٤٠/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>