للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى. والظاهر في هِدْنا

شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْسِهِ. وَقِيلَ: شَهِدَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ بِإِنْذَارِ الرُّسُلِ.

غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا

هَذَا إِخْبَارٌ عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْبِيهٌ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِكُفْرِهِمْ وَإِفْصَاحٌ لَهُمْ بِأَذَمِّ الْوُجُوهِ الَّذِي هُوَ الْخِدَاعُ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَرَّ الطَّائِرُ فَرْخَهُ أَيْ أَطْعَمَهُمْ وَأَشْبَعَهُمْ وَالتَّوْسِيعُ فِي الرِّزْقِ وَالْبَسْطُ سَبَبٌ لِلْبَغْيِ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ.

شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ

ظَاهِرُهُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ. وَقِيلَ: شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: شَهِدَتْ جَوَارِحُهُمْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ وَالْخَتْمِ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَتَنَافَى بين قوله: هِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ

وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِنْكَارِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ طَوَائِفَ طَائِفَةٍ تَشْهَدُ وَطَائِفَةٍ تُنْكِرُ، أَوْ مِنْ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَمُوَاطِنِ الْقِيَامَةِ فِي ذَلِكَ الْمُتَطَاوِلِ فَيُقِرُّونَ فِي بَعْضٍ وَيَجْحَدُونَ فِي بَعْضٍ. وَقَالَ التبريزي: شَهِدُوا

أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ اضْطِرَارًا لَا اخْتِيَارًا وَلَوْ أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا غَيْرَهُ مَا طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : لِمَ كَرَّرَ ذِكْرَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؟ (قُلْتُ) : الْأُولَى حِكَايَةٌ لِقَوْلِهِمْ: كَيْفَ يَقُولُونَ وَيَعْتَرِفُونَ، وَالثَّانِيَةُ ذَمٌّ لَهُمْ وَتَخْطِئَةٌ لِرَأْيِهِمْ وَوَصْفٌ لِقِلَّةِ نَظَرِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَوْمٌ غَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَاللَّذَّاتُ الْحَاضِرَةُ، وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ أَنِ اضْطُرُّوا إِلَى الشَّهَادَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِرَبِّهِمْ وَاسْتِنْجَازِ عَذَابِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا لِلسَّامِعِينَ مِثْلَ حَالِهِمْ انْتَهَى.

وَنَقُولُ لَمْ تَتَكَرَّرِ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِ الْمُخْبِرِ وَمُتَعَلَّقِهَا فَالْأُولَى إِخْبَارُهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالثَّانِيَةُ:

إِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ غَيْرُ الْأُولَى.

ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَهُوَ إِتْيَانُ الرُّسُلِ قَاصِّينَ الْآيَاتِ وَمُنْذِرِينَ بِالْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ إِهْلَاكِ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا لَمْ يَنْتَهُوا بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَالْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ وَالتَّقَدُّمِ بِالْإِخْبَارِ بِمَا يَحِلُّ بِهِمْ، إِذَا لَمْ يَتَّبِعُوا الرُّسُلَ

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ» .

فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا أَيْ ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ الرُّسُلِ وَأَمَرِ عَذَابِ مَنْ كَذَّبَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَا أَيْ لَا يُهْلِكُهُمْ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى السُّؤَالِ وَهُوَ لَمْ يَأْتِكُمْ

أَنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ لِبَيَانِ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَكَاهُ التِّبْرِيزِيُّ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: الْإِشَارَةُ إِلَى مَا وُجِدَ مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>