للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنِ التَّكْذِيبِ وَالْمَعَاصِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارَ بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ الَّذِي كَانَ بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ انْتَهَى.

وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ أَوِ الْإِهْلَاكَ لَيْسَ معللا بأن لم يكون وَجَوَّزُوا فِي ذَلِكَ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ، وَخَبَرٌ مَحْذُوفُ الْمُبْتَدَأِ أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ وَالنَّصْبَ عَلَى فعلنا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَنِ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ وَالْمُخَفَّفَةَ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ لِأَنَّ الشَّأْنَ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ لَا يَكُونَ أَنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيلًا فَأَجَازَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ:

وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ «١» فَإِذَا كَانَ تَعْلِيلًا فَهُوَ عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْخِلَافِ أَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ أَوْ جَرٌّ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ وبظلم يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى اللَّهِ أَيْ ظَالِمًا لَهُمْ كَقَوْلِهِ: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ «٢» وَمَعْنَى وَأَهْلُها غافِلُونَ أَيْ دُونَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالنِّذَارَةِ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٣» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى الْقُرَى أَيْ ظَالِمَةٌ دُونَ أَنْ يُنْذِرَهُمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْقُشَيْرِيِّ أَيْ لَا يُهْلِكُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ مَا لَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَهَذَا الْوَجْهُ أَلْيَقُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُوهِمُ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ آخَذَهُمْ قَبْلَ بِعْثَةِ الرُّسُلِ كَانَ ظَالِمًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ تَعَالَى يَحْكُمُ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَوْ أَهْلَكَهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ لَمْ يَنْتَهُوا بِكِتَابٍ وَلَا رَسُولٍ لَكَانَ ظَالِمًا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الظُّلْمِ وَعَنْ كُلِّ قَبِيحٍ. وَقِيلَ: بِظُلْمٍ بِشِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِثْلُ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «٤» . وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: أَيْ لَمْ يَكُنْ يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ إِهْلَاكَ اسْتِئْصَالٍ وَتَعْذِيبٍ إِلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ وَعِيدٍ أَوْ سُؤَالِهِمُ الْعَذَابَ، وَلَا يُهْلِكُهُمْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنِ الظُّلْمِ وَالْعِصْيَانِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَلْ سُنَّتُهُ هَكَذَا لِئَلَّا يَقُولُوا: لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا وَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ وَرَحْمَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَقِيلَ: بِظُلْمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَقِيلَ: بِجِنْسِ الظُّلْمِ حَتَّى يَرْتَكِبُوا مَعَ الظُّلْمِ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِحِ ذَكَرَهُ التبريري. وَمَعْنَى وَأَهْلُها غافِلُونَ أَيْ لَا يُبَيِّنُ لَهُمْ كَيْفِيَّةَ الْحَالِ وَلَا يُزِيلُ عَدَدَهُمْ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا يُوعَظُونَ بِهِ.

وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أَيْ وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ دَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَتَفَاوُتِهَا بِنِسْبَةِ بعضهم إلى بعض أو بِنِسْبَةِ عَمَلِ كُلِّ عَامِلٍ فيكون


(١) سورة الحجر: ١٥/ ٦٦. [.....]
(٢) سورة هود: ١١/ ١١٧.
(٣) سورة فصلت: ٤١/ ٤٦.
(٤) سورة فاطر: ٣٥/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>