للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُذِفَتِ الْبَاءُ لِطُولِ أَنَّ بِالصِّلَةِ. قَالَ الْحَوْفِيُّ: وَهِيَ مُرَادَّةٌ وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا عَطْفُ مُظْهَرٍ عَلَى مُضْمَرٍ لِإِرَادَتِهَا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: عَطَفَ الْمُظْهَرَ عَلَى الْمُضْمَرِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَصَّاكُمْ بِاسْتِقَامَةِ الصِّرَاطِ. وقرأ الأعمش:

وهذا صِراطِي وَكَذَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمَّا فَصَلَ فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلُ أَجْمَلَ فِي هَذِهِ إِجْمَالًا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ وَجَمِيعُ شَرِيعَتِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْقُرْآنِ أَوْ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي التَّوْحِيدِ وَأَدِلَّةِ النُّبُوَّةِ وَإِثْبَاتِ الدِّينِ وَإِلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَعْقَبَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ لِأَنَّهَا الْمُحْكَمَاتُ الَّتِي لَمْ تُنْسَخْ فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ.

فَاتَّبِعُوهُ أَمْرٌ بِاتِّبَاعِهِ كُلِّهِ وَالْمَعْنَى: فَاعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ مِنْ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ وَإِبَاحَةٍ.

وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الضَّلَالَاتُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ وَالشُّبَهَاتُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ. وَقِيلَ: سُبُلُ الْكُفْرِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَمَا يَجْرِي مُجْرَاهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ

وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ قَالَ:

«هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهَا» . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوٌ مِنْهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ

وَانْتَصَبَ فَتَفَرَّقَ لِأَجْلِ النَّهْيِ جَوَابًا لَهُ أَيْ فَتَفَرَّقَ فَحَذَفَ التَّاءَ. وَقُرِئَ فَتَفَرَّقَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ.

ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ كَرَّرَ التَّوْصِيَةَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَلَمَّا كَانَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْجَامِعَ لِلتَّكَالِيفِ وَأَمَرَ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَنَهَى عَنْ بُنَيَّاتِ الطُّرُقِ خَتَمَ ذَلِكَ بِالتَّقْوَى الَّتِي هي اتقاد النَّارِ، إِذْ مَنِ اتَّبَعَ صِرَاطَهُ نَجَّاهُ النَّجَاةَ الْأَبَدِيَّةَ وَحَصَلَ عَلَى السَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ.

قال ابن عطية: ومن حَيْثُ كَانَتِ الْمُحَرَّمَاتُ الْأُوَلُ لَا يَقَعُ فِيهَا عَاقِلٌ قَدْ نَظَرَ بِعَقْلِهِ جَاءَتِ الْعِبَادَةُ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَالْمُحَرَّمَاتُ الْأُخَرُ شَهَوَاتٌ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَرُكُوبُ الْجَادَّةِ الْكَامِلَةِ تَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْفَضَائِلِ وَتِلْكَ دَرَجَةُ التَّقْوَى.

ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ تَقْتَضِي الْمُهْلَةَ فِي الزَّمَانِ هَذَا أَصْلُ وَضْعِهَا ثُمَّ تَأْتِي لِلْمُهْلَةِ فِي الْإِخْبَارِ. فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَتْلُ تَقْدِيرُهُ أَتْلُ مَا حَرَّمَ ثُمَّ أَتْلُ آتَيْنا. وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى قُلْ عَلَى إِضْمَارِ قل أي ثم قال آتَيْنا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>