للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يُرِيدُ عِنْدَ كُلِّ مَوْضِعِ سُجُودٍ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَوَاتِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيهَا هُوَ مُهِمُّ الْأَمْرِ وَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مَوَاطِنُ الْخَيْرِ كُلُّهَا وَمَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خُذُوا زِينَتَكُمْ أَيْ رِيشَكُمْ وَلِبَاسَ زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ كُلَّمَا صَلَّيْتُمْ وَكَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً انْتَهَى، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الزِّينَةَ هُوَ مَا يتجمل به ويتزين عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا وَلَا يَخْتَصُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَلَفْظَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ تَأْتِي أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الطَّوَافِ لِعُمُومِهِ وَالطَّوَافُ إِنَّمَا هُوَ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ حَمْلُ الْعُمُومِ عَلَى كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْهُ وَأَيْضًا فَيَا بَنِي آدَمَ عَامٌّ وَتَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِمَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الطَّوَافِ مُفْضٍ إِلَى تَخْصِيصِهِ بِمَنْ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى فَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وزفر ومحمد والحسن بن زِيَادٍ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ: عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَّقَ الْأَمْرَ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ السِّتْرُ لِلصَّلَاةِ، وَقَالَ: مَالِكٌ والليث: كَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَيُوجِبَانِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا إِنْ صَلَّى مَكْشُوفَهَا، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: هِيَ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتُرَهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً» ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ كُلُوا مِنَ اللَّحْمِ وَالدَّسَمِ وَاشْرَبُوا مِنَ الْأَلْبَانِ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كُلُوا مِنَ الْبَحِيرَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْكَلَ أَوْ يُشْرَبَ مِمَّا يُحْظَرُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ النُّزُولُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ كَمَا ذَكَرُوا مِنَ امْتِنَاعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَالدَّسَمَ أَيَّامَ إِحْرَامِهِمْ أَوْ بَنِي عَامِرٍ دُونَ سَائِرِ الْعَرَبِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِسْرَافُ الْخُرُوجُ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ، وَقَالَ أَيْضًا لَا تُسْرِفُوا فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ لَكُمْ، وَقَالَ أَيْضًا: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ سَرَفٌ وَمَخِيلَةٌ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْإِسْرَافُ أَكْلُ الْحَرَامِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ الْإِسْرَافُ الْأَكْلُ مِنَ الْحَلَالِ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْإِسْرَافُ الْإِشْرَاكُ، وَقِيلَ: الْإِسْرَافُ مُخَالَفَةُ أَمْرِ اللَّهِ فِي طَوَافِهِمْ عُرَاةً يُصَفِّقُونَ وَيُصَفِّرُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: لَيْسَ فِي الْحَلَالِ سَرَفٌ إِنَّمَا السَّرَفُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُرِيدُ فِي الْحَلَالِ الْقَصْدَ وَاللَّفْظَةُ تَقْتَضِي النَّهْيَ عَنِ السَّرَفِ مُطْلَقًا فِيمَنْ تَلَبَّسَ بِفِعْلِ حَرَامٍ فَتَأَوَّلَ تَلَبُّسُهُ بِهِ حَصَلَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَتَوَجَّهَ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَلَبَّسَ بِفِعْلِ مُبَاحٍ فَإِنْ مَشَى فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ وَأَوْسَاطِ الْأُمُورِ فَحَسَنٌ وَإِنْ أَفْرَطَ حَتَّى دَخَلَ الضَّرَرُ حَصَلَ أَيْضًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>