وَتَوَجَّهَ النَّهْيُ عَلَيْهِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُفَرِطَ فِي شِرَاءِ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَسْتَنْفِدُ فِي ذَلِكَ حِلَّ مَالِهِ أَوْ يُعْطِي مَالَهُ أَجْمَعَ وَيُكَابِدُ بِعِيَالِهِ الْفَقْرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ انْتَهَى،
وَحَكَى الْمُفَسِّرُونَ هُنَا أَنَّ نَصْرَانِيًّا طَبِيبًا لِلرَّشِيدِ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي حَدِيثِ الرَّسُولِ شَيْءٌ مِنَ الطِّبِّ فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا بقوله «المعدة بيت الداء والحميّة رَأَسُ كُلِّ دَوَاءٍ» وَ «أَعْطِ كُلَّ بَدَنٍ مَا عَوَّدْتَهُ» فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: مَا تَرَكَ كِتَابُكُمْ وَلَا نَبِيُّكُمْ لِجَالِينُوسَ طِبًّا.
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ زِينَةَ اللَّهِ مَا حَسَّنَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَقَرَّرَتْهُ مِمَّا يُتَجَمَّلُ بِهِ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَأُضِيفَتْ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَبَاحَهَا وَالطَّيِّبَاتُ هِيَ الْمُسْتَلَذَّاتُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ بِطَرِيقَةٍ وَهُوَ الْحِلُّ، وَقِيلَ: الطَّيِّبَاتُ الْمُحَلَّلَاتُ وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ إِنْكَارُ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَوْبِيخُ مُحَرِّمِيهَا وَقَدْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ مِنْ لُحُومِ الطَّيِّبَاتِ وَأَلْبَانِهَا وَالِاسْتِفْهَامُ إِذَا تَضَمَّنَ الْإِنْكَارَ لَا جَوَابَ لَهُ وَتَوَهُّمُ مَكِّيٍّ هُنَا أَنَّ لَهُ جَوَابًا هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ قُلْ هِيَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ وَمَعْنَى أَخْرَجَ أَبْرَزَهَا وَأَظْهَرَهَا، وَقِيلَ فَصَلَ حَلَالَهَا مِنْ حَرَامِهَا.
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ قَرَأَ قَتَادَةُ قُلْ هِيَ لِمَنْ آمَنَ، وَقَرَأَ نَافِعٌ خالِصَةً بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالنَّصْبِ فَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى الْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ قُلْ هِيَ مُسْتَقِرَّةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي حَالِ خُلُوصِهَا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِهِيَ وفِي الْحَياةِ مُتَعَلِّقٌ بِآمَنُوا وَيَصِيرُ الْمَعْنَى قُلْ هِيَ خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ آمَنَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَعْنِي بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقْتَ الْحِسَابِ وَخُلُوصُهَا كَوْنُهُمْ لَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ تَفْسِيرُ ابْنِ جُبَيْرٍ، وَجَوَّزُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وفِي الْحَياةِ الدُّنْيا مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ لِلَّذِينِ وَهُوَ الْكَوْنُ الْمُطْلَقُ أَيْ قُلْ هِيَ كَائِنَةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ يُشْرِكُهُمْ فِيهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنيا الكفّار وخالصة لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُرَادُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِمْرَارُ الْكَوْنِ فِي الْجَنَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَنَّهَا لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا خَالِصَةٌ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ قَوْلُ ابن عباس والضحاك وقتادة وَالْحَسَنِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ.
(فَإِنْ قُلْتَ) : إِذَا كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ فَكَيْفَ جَاءَ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، (فَالْجَوَابُ) : مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ قُلْ هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا خَالِصَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِيَامَةِ لَا يُشَارَكُونَ فِيهَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ، الثَّانِي: إِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا لَيْسَ كَوْنًا مُطْلَقًا بَلْ كَوْنًا مُقَيَّدًا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِهِ مُقَابِلُهُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute