للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالِصَةً تَقْدِيرُهُ قُلْ هِيَ غَيْرُ خَالِصَةٍ لِلَّذِينِ آمَنُوا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ: قُلْ هي للذين آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا غَيْرُ خَالِصَةٍ لَهُمْ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ شُرَكَاؤُهُمْ فِيهَا خَالِصَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : هَلَّا قِيلَ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَلِغَيْرِهِمْ، (قُلْتُ) : النِّيَّةُ عَلَى أَنَّهَا خُلِقَتْ لِلَّذِينِ آمَنُوا عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَأَنَّ الْكَفَرَةَ تَبَعٌ لَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ «١» انْتَهَى وَجَوَابُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ لِلتِّبْرِيزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَالَ التِّبْرِيزِيُّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ خَالِصَةً فِي الْآخِرَةِ لَا يُشْرِكُهُمِ الْكُفَّارُ فِيهَا هَذَا وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُهُ الشَّرِكَةَ بَيْنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ إِلَّا أَنَّهُ أَضَافَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فِي الدُّنْيَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَهَا لِلَّذِينِ آمَنُوا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْكَفَّارُ تَبَعٌ لَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَلِذَلِكَ خَاطَبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «٢» انْتَهَى، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُعَلَّقَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بِقَوْلِهِ حَرَّمَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ فُصِلَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِقَوْلِهِ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَشُدُّ الْقِصَّةَ وَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْهَا جِدًّا كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ «٣» فَقَوْلُهُ: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى كَسَبُوا داخل في الصلة وَالتَّعَلُّقُ بِأَخْرَجَ هُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ وَالطَّيِّباتِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ مِنَ الرِّزْقِ انْتَهَى. وَتَقَادِيرُ أَبِي عَلِيٍّ وَالْأَخْفَشِ فِيهَا تَفْكِيكٌ لِلْكَلَامِ وَسُلُوكٌ بِهِ غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ الْفَصَاحَةُ، وَهِيَ تَقَادِيرُ أَعْجَمِيَّةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الْبَلَاغَةِ لَا تُنَاسِبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بَلْ لَوْ قُدِّرَتْ فِي شِعْرِ الشَّنْفَرَى مَا نَاسَبَ وَالنُّحَاةُ الصِّرْفُ غَيْرُ الْأُدَبَاءِ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِدْرَاكِ الْفَصَاحَةِ وَأَمَّا تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَالَّذِينَ كَسَبُوا فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِمُتَعَيَّنٍ فِيهِ بَلْ وَلَا ظَاهِرٌ بَلْ قَوْلُهُ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها هُوَ خَبَرٌ عَنِ النَّهْيِ أَيْ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِهَا وَحَذْفُ مِنْهُمْ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِمُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مَنَوَانِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ هَذَا بِأَكْثَرَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أَيْ مِثْلُ تَفْصِيلِنَا وَتَقْسِيمِنَا السَّابِقِ نُقَسِّمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِقَوْمٍ لَهُمْ عِلْمٌ وَإِدْرَاكٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَلِمَ لِقَوْلِهِ: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «٤» .


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٢٦.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٩.
(٣) سورة يونس: ١٠/ ٢٧.
(٤) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٤٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>