فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً «١» . قَالَ أبو البقاء: حال من الْجَنَّةُ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَا فِي تِلْكَ مِنْ مَعْنَى الْإِشَارَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ تِلْكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْخَبَرِ وَلِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ لَا يَعْمَلُ فِي الْحَالِ انْتَهَى، وَفِي الْعَامِلِ فِي الْحَالِ فِي مِثْلِ هَذَا زَيْدٌ قَائِمًا خِلَافٌ فِي النَّحْوِ وَأَنْ يَكُونَ نعتا وبدلا وأُورِثْتُمُوها الْخَبَرُ أَدْغَمَ النَّحْوِيَّانِ وَحَمْزَةُ وَهِشَامٌ الثَّاءَ فِي التَّاءِ وَأَظْهَرَهَا بَاقِي السَّبْعَةِ وَمَعْنَى أُورِثْتُمُوها صُيِّرَتْ لَكُمْ كَالْإِرْثِ وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى أُورِثْتُمُوهَا عَنْ آبَائِكُمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَنَازِلَهُمْ لَوْ آمَنُوا فَحُرِمُوهَا بِكُفْرِهِمْ وَبُعْدُهُ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تَكُنْ آبَاؤُهُمْ كُلُّهُمْ كُفَّارًا وَالْبَاءُ فِي بِما لِلسَّبَبِ الْمَجَازِيِّ وَالْأَعْمَالُ أَمَارَةٌ مِنَ اللَّهِ وَدَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الرَّجَاءِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْقَسْمُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ وَلَفْظُ أُورِثْتُمُوها مُشِيرٌ إِلَى الْأَقْسَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمْ لَا بِالتَّفَضُّلِ كَمَا تَقُولُ الْمُبْطِلَةُ انْتَهَى، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ،
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» .
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ. عَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ وَهَذَا النِّدَاءُ فِيهِ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَوْقِيفٌ عَلَى مَآلِ الْفَرِيقَيْنِ وَزِيَادَةٌ فِي كُرَبِ أَهْلِ النَّارِ بِأَنْ شُرِّفُوا عَلَيْهِمْ وَبِخَلْقِ إِدْرَاكِ أَهْلِ النَّارِ لِذَلِكَ النِّدَاءِ فِي أَسْمَاعِهِمْ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ اغْتِبَاطًا بِحَالِهِمْ وَشَمَاتَةً بِأَهْلِ النَّارِ وَزِيَادَةً فِي غَمِّهِمْ وَلِيَكُونَ حِكَايَتُهُ لُطْفًا لِمَنْ سَمِعَهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُوَ مَلَكٌ يَأْمُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيُنَادِي بَيْنَهُمْ يُسْمِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ وَأَتَى فِي إِخْبَارِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا وَعَدَنا بِذِكْرِ الْمَفْعُولِ وَفِي قِصَّةِ أَهْلِ النَّارِ مَا وَعَدَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ وَعَدَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مُسْتَبْشِرُونَ بِحُصُولِ مَوْعُودِهِمْ فَذَكَرُوا مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مُضَافًا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا حِينَ سَأَلُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مُتَعَلِّقَ وَعَدَ بَاسِمِ الخطاب فيقولوا: ما وَعَدَ رَبُّكُمْ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَوْعُودٍ مِنْ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ وَنَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَكُونُ إِجَابَتُهُمْ بِنَعَمْ تَصْدِيقًا لِجَمِيعِ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِوُقُوعِهِ فِي الآخرة للصفين وَيَكُونُ ذَلِكَ اعْتِرَافًا مِنْهُمْ بِحُصُولِ مَوْعُودِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَتَحَسَّرُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ نَعِيمِهِمْ إِذْ نَعِيمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِمَّا يُخْزِيهِمْ وَيَزِيدُ فِي عَذَابِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُذِفَ الْمَفْعُولِ الَّذِي لِلْخِطَابِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ، وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ نَعَمْ
(١) سورة النمل: ٢٧/ ٥٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute