للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ:

«أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ» ، وَقَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ

، قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَيْضًا هُمْ قَوْمٌ أَبْطَأَتْ بِهِمْ صَغَائِرُهُمْ إِلَى آخِرِ النَّاسِ،

وَقِيلَ غُزَاةٌ جَاهَدُوا مِنْ غَيْرِ إِذْنِ وَالِدَيْهِمْ فَقُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الرَّسُولِ أَنَّهُمْ حُبِسُوا عَنِ الْجَنَّةِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ وَأَعْتَقَهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ لِأَنَّهُمْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِهِ

، وَقِيلَ: قَوْمٌ رَضِيَ عَنْهُمْ آبَاؤُهُمْ دُونَ أُمَّهَاتِهِمْ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: هُمْ أَوْلَادُ الزِّنَا، وَقِيلَ: أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ: الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَسْرِ وَلَمْ يُبَدِّلُوا دِينَهُمْ، وَقِيلَ: عُلَمَاءٌ شَكُّوا فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ آخِرِهِمْ دُخُولًا فِي الْجَنَّةِ لِقُصُورِ أَعْمَالِهِمْ كَأَنَّهُمُ الْمُرْجِئُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ يُحْبَسُونَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّازِمُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ عَلَى أَعْرَافِ ذَلِكَ السُّورِ أَوْ عَلَى مَوَاضِعَ مُرْتَفِعَةٍ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَأَخَّرُ دُخُولُهُمْ وَيَقَعُ لَهُمْ مَا وُصِفَ مِنَ الِاعْتِبَارِ فِي الْفَرِيقَيْنِ ويَعْرِفُونَ كُلًّا بِعَلَامَتِهِمْ وَهِيَ بَيَاضُ الْوُجُوهِ وَحُسْنُهَا فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَوَادُهَا وَقُبْحُهَا فِي أَهْلِ النَّارِ انْتَهَى، وَالْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَاضِحٍ فِي التَّخْصِيصِ وَالْجَيِّدُ مِنْهَا هُوَ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَلِتَفْسِيرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ هِيَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أن الْأَعْرافِ هُوَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَفِي شَعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ الصَّلْتِ:

وَآخَرُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ قَدْ طَمِعُوا ... فِي جَنَّةٍ حَفَّهَا الرُّمَّانُ وَالْخَضِرُ

وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ الصِّرَاطُ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ جَبَلٌ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ أَوْ أَعْلَاهَا وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي تَفْسِيرِ رِجَالٌ، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: مَلَائِكَةٌ فِي صُوَرِ رِجَالٍ ذُكُورٍ وَسُمُّوا رِجَالًا لِقَوْلِهِ: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا «١» وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ هُمْ فُضَلَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَعُلَمَاؤُهُمْ، وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ وَقَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ: وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَقَالَ:

هُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ،

وَقِيلَ: حَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ الطَّيَّارُ

، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ.

وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَنَادَوْا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ عَائِدٌ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ عَلَى الْأَعْرَافِ وَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الضَّمَائِرُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلَا لِشَيْءٍ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ أَنَّهُمْ عَلَى جَبَلٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ أَوْ أَعْلَى الْجَنَّةِ


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٩. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>