لَا يَدْخُلُهُ رَيْبٌ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمُعْجِزِ الْخَارِقِ الْعَظِيمِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رِسَالَتِهِ وَلَا أَنْ يُسْتَفْهَمَ عَنِ الْعِلْمِ بِإِرْسَالِهِ فَأَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بَعْدَ وُضُوحِ رِسَالَتِهِ إِلَّا التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُمُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِمَا أَرْسَلَ بِهِ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَعَمُّ قَصَدُوا الرَّدَّ لَمَّا جَعَلَهُ الْمُؤْمِنُونَ مَعْلُومًا وَأَخَذُوهُ مُسَلَّمًا.
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ نَسَبَ الْعَقْرَ إِلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ صَادِرًا عَنْ بَعْضِهِمْ لَمَّا كَانَ عَقْرُهَا عَنْ تَمَالُئٍ وَاتِّفَاقٍ حَتَّى
رُوِيَ أَنَّ قُدَارًا لَمْ يَعْقِرْهَا إِلَّا عَنْ مُشَاوَرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَسَبَبُ عَقْرِهَا أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا وَقَعَ الْحَرُّ نَصَبَتْ بِظَهْرِ الْوَادِي فَتَهْرُبُ مِنْهَا أَنْعَامُهُمْ فَتَهْبِطُ إِلَى بَطْنِهِ وَإِذَا وَقَعَ الْبَرْدُ تَلْبَثُ بِبَطْنِ الْوَادِي فَتَهْرُبُ مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ تَسْتَوْفِي مَاءَهُمْ شُرْبًا وَيَحْلِبُونَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى مَلُّوهَا وَقَالُوا مَا نَصْنَعُ بِاللَّبَنِ الْمَاءُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ وَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ يَوْمًا إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُولَدُ فِيهِ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ فَوُلِدَ لِعَشَرَةِ نَفَرٍ فَذَبَحَ التِّسْعَةُ أَوْلَادَهُمْ وَبَقِيَ الْعَاشِرُ وَهُوَ سَالِفُ بْنُ قُدَارٍ وَكَانَ قُدَارٌ أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا
وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ:
فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَانُ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ ... كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
قَالَ الشُّرَّاحُ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَحْمَرُ ثَمُودَ وَهُوَ قُدَارٌ وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ وَكَانَ التِّسْعَةُ إِذَا رَأَوْهُ قَالُوا: لَوْ عَاشَ بَنُونَا كَانُوا مِثْلَ هَذَا فَأَحْفَظَهُمْ أَنْ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ بِكَلَامِ صَالِحٍ فَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ فَكَمَّنُوا لَهُ فِي غَارٍ لِيُبَيِّتُوهُ، وَيَأْتِي خَبَرُ التَّبْيِيتِ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِي سُورَةِ النَّمْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
وَرُوِيَ أَنَّ السَّبَبَ فِي عَقْرِهَا أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ ثَمُودَ مِنْ أَعْدَاءِ صَالِحٍ وَهُمَا عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمٍ أُمُّ مِجْلَزٍ زوجة ذؤاب بْنِ عَمْرٍو وَتُكْنَى أُمَّ غَنْمٍ عَجُوزٌ ذَاتُ بَنَاتٍ حِسَانٍ وَمَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَصَدُوفُ بِنْتُ الْمُحَيَّا جَمِيلَةٌ غَنِيَّةٌ ذَاتُ مَوَاشٍ كَثِيرَةٍ فَدَعَتْ عُنَيْزَةُ عَلَى عَقْرِهَا قُدَارًا عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ أَيَّ بَنَاتِهَا شَاءَ وَكَانَ عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمِهِ وَدَعَتْ صَدُوفُ رَجُلًا مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُ الْحُبَابُ إِلَى ذَلِكَ وَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ إِنْ فَعَلَ فَأَبَى فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ مُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجِ بْنِ الْمُحَيَّا لِذَلِكَ وَجَعَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا فَأَجَابَ قُدَارٌ وَمُصَدَّعٌ وَاسْتَغْوَيَا سَبْعَةَ نَفَرٍ فَكَانُوا تِسْعَةَ رَهْطٍ فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حِينَ صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ وَكَمَنَ قُدَارٌ فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ وَمُصَدَّعٌ فِي أَصْلِ أُخْرَى فَمَرَّتْ عَلَى مُصَدَّعٍ فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَةَ سَاقِهَا وَخَرَجَتْ أُمُّ غَنْمٍ عُنَيْزَةُ بِابْنَتِهَا وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ فَسَفَرَتْ لِقُدَارٍ ثُمَّ مَرَّتِ النَّاقَةُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute