فَشَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبَهَا فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاةً وَاحِدَةً فَطَعَنَ فِي لَبَّتِهَا وَنَحَرَهَا وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ فَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا وَطَبَخُوهُ
وَذَكَرُوا لسبقها حِكَايَةً اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا،
وَقِيلَ سَبَبُ عَقْرِهَا أَنَّ قُدَارًا شَرِبَ الْخَمْرَ وَطَلَبُوا مَاءً لِمَزْجِهَا فَلَمْ يَجِدُوهُ لِشُرْبِ النَّاقَةِ فَعَزَمُوا عَلَى عَقْرِهَا وَكَمَنَ لَهَا فَرَمَاهَا بِالْحَرْبَةِ ثُمَّ سَقَطَتْ فَعَقَرَهَا
، وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْعَرَبَ وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّةَ النَّاقَةِ:
فأتاها أحيمر كأخي السه ... م بِعَضْبٍ فَقَالَ كُونِي عَقِيرًا
وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ أَيِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَهُوَ مَا أَمَرَ بِهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ صَالِحٍ مِنْ قَوْلِهِ فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ وَمِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ دِينُهُ وَشَرْعُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى صَدَرَ عُتُوُّهُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ كَأَنَّ أَمْرَ رَبِّهِمْ بِتَرْكِهَا كَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي عُتُوِّهِمْ وَنَحْوٌ عَنْ هَذِهِ مَا فِي قَوْلِهِ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي «١» .
وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أَيْ مِنَ الْعَذَابِ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ مِنْهُ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَاسْتَعْجَلُوا مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ ذَلِكَ إِذْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ لَهُ فِي الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ الْوَعِيدِ وَبِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ عَلَّقُوهُ بِمَا هُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَقَرَأَ وَرْشٌ وَالْأَعْمَشُ يَا صالِحُ ائْتِنا وَأَبُو عَمْرٍو إِذَا أَدْرَجَ بِإِبْدَالِ همزة فاء ائْتِنا واو الضمة جاء صَالِحُ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِإِسْكَانِهَا وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَطِيَّةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَرَأَ عِيسَى وَعَاصِمٌ أُوتِنَا بِهَمْزٍ وَإِشْبَاعِ ضَمٍّ انْتَهَى، فَلَعَلَّهُ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ لَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ أَحَدُ قُرَّاءِ السَّبْعَةِ.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ
رُوِيَ أَنَّ السَّقْبَ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ رَغَا ثَلَاثًا فَقَالَ صَالِحٌ لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجَلُ يَوْمٍ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالُوا هَازِئِينَ بِهِ مَتَى ذَلِكَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فَقَالَ تُصْبِحُونَ غَدَاةَ مُؤْنِسٍ مُصْفَرَّةً وُجُوهُكُمْ وَغَدَاةَ الْعَرُوبَةِ مُحْمَرِّيهَا وَيَوْمَ شِيَارٍ مُسْوَدِّيهَا ثُمَّ يُصَبِّحُكُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ أَوَّلِ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الأحد فرام التسعة عاقر والناقة قَتْلَهُ وَبَيَّتُوهُ فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَحَمَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَقَالُوا:
وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَإِنْ صَدَقَ لَمْ تَزِيدُوا رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلَّا غَضَبًا وَإِنْ كَذِبَ فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاءِ مَا تُرِيدُونَ فَأَصْبَحُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ مُصْفَرِّي الْوُجُوهِ كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ إِلَى بَطْنٍ مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُ بَنُو غَنَمٍ فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ أَبِي هُدْبٍ لِقَيْلٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَغَيَّبَهُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَعَذَّبُوا أَصْحَابَ صَالِحٍ فَقَالَ: مِنْهُمْ مبدع بن هدم
(١) سورة الكهف: ١٨/ ٨٢. [.....]