للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَذَّبُونَا لِنَدُلَّهُمْ عَلَيْكَ أَفَنَدُلُّهُمْ قَالَ: نَعَمْ فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فَأَتَوْا أَبَا هُدْبٍ فَقَالَ لَهُمْ:

عِنْدِي صَالِحٌ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَشَغَلَهُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي الثَّانِي مُحْمَرِّي الْوُجُوهِ كَأَنَّهَا خُضِّبَتْ بِالدَّمِ وَفِي الثَّالِثِ مُسْوَدِّيهَا كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ وَلَيْلَةَ الْأَحَدِ خَرَجَ صَالِحٌ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ إِلَى أَنْ نَزَلَ رَمْلَةَ فِلَسْطِينَ مِنَ الشَّامِ فَأَصْبَحُوا مُتَكَفِّنِينَ مُتَحَنِّطِينَ مُلْقِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالْأَرْضِ يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَلَمَّا اشْتَدَّ الضُّحَى أَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فِي الْأَرْضِ فَقَطَعَتْ قُلُوبَهُمْ وَهَلَكُوا كُلُّهُمْ إِلَّا امْرَأَةً مُقْعَدَةً كَافِرَةً اسْمُهَا دَرِيعَةُ بِنْتُ سَلَفٍ عند ما عَايَنَتِ الْعَذَابَ خَرَجَتْ أَسْرَعَ مَا يُرَى حَتَّى أَتَتْ وَادِيَ الْقُرَى فَأَخْبَرَتْ بِمَا أَصَابَ ثَمُودَ وَاسْتَسْقَتْ فَشَرِبَتْ وَمَاتَتْ، وَقِيلَ: خَرَجَ صَالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ إِلَى حَضْرَمَوْتَ فَلَمَّا دَخَلُوهَا مَاتَ صالح فسمي المكان حضر موت، وَقِيلَ مَاتَ بِمَكَّةَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَأَقَامَ فِي قَوْمِهِ عِشْرِينَ سَنَةً.

قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: الرَّجْفَةُ الصَّيْحَةُ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جاثِمِينَ هَامِدِينَ لَا يَتَحَرَّكُونَ مَوْتَى يُقَالُ: النَّاسُ جُثُومٌ أَيْ قُعُودٌ لَا حَرَاكَ بِهِمْ وَلَا يَنْسُبُونَ بِنِسْبَةٍ وَمِنْهُ الْمُجَثَّمَةُ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا وَهِيَ الْبَهِيمَةُ تُرْبَطُ وَتُجْمَعُ قَوَائِمُهَا لِتُرْمَى انْتَهَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حِمَمًا مُحْتَرِقِينَ كَالرَّمَادِ الْجَاثِمِ ذَهَبَ هَذَا الْقَائِلُ إِلَى أَنَّ الصَّيْحَةَ اقْتَرَنَ بِهَا صَوَاعِقُ مُحْرِقَةٌ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: حَيْثُ ذَكَرَ الرَّجْفَةَ وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ وَحَدُّ الدَّارِ وَحَيْثُ ذَكَرَ الصَّيْحَةَ جَمَعَ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ كَانَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَبُلُوغُهَا أَكْثَرُ وَأَبْلَغُ مِنَ الزَّلْزَلَةِ فَاتَّصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِ، وَقِيلَ فِي دَارِهِمْ أَيْ فِي بَلَدِهِمْ كَنَّى بِالدَّارِ عَنِ الْبَلَدِ، وَقِيلَ:

وَحَّدَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَالْفَاءُ فِي فَأَخَذَتْهُمُ لِلتَّعْقِيبِ فَيُمْكِنُ الْعَطْفُ بِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا عَلَى تَقْدِيرِ قُرْبِ زَمَانِ الْهَلَاكِ مِنْ زَمَانِ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِالْوَعْدِ وَلِقُرْبِ ذَلِكَ كَانَ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ مَا يَصِحُّ الْعَطْفُ بالفاء عليه أي فواعدهم الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَانْقَضَتْ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وَبَيْنَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ وَبَيْنَ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ كَمَا ظَنَّ قَوْمٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ لِأَنَّ الرَّجْفَةَ نَاشِئَةٌ عَنِ الصَّيْحَةِ صِيحَ بِهِمْ فَرَجَفُوا فَنَاسَبَ أَنْ يُسْنِدَ الْأَخْذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ فَالْبَاءُ فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ أُهْلِكُوا بِالْفِعْلَةِ الطَّاغِيَةِ وَهِيَ الْكُفْرُ أَوْ عَقْرُ النَّاقَةِ وَالطَّاغِيَةُ مِنْ طَغَى إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ وَغَلَبَ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْمَلِكِ وَالْعَاتِي بِالطَّاغِيَةِ وَقَوْلُهُ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ «١» وقال


(١) سورة الحاقة: ٦٩/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>