للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّمَخْشَرِيُّ: لَخاسِرُونَ لِاسْتِبْدَالِكُمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى لِقَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ «١» . وَقِيلَ تَخْسَرُونَ بِاتِّبَاعِهِ فَوَائِدَ الْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ لِأَنَّهُ يَنْهَاكُمْ عَنْهُ وَيَحْمِلُكُمْ عَلَى الْإِيفَاءِ وَالتَّسْوِيَةِ انْتَهَى.

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَمَّا دعى عَلَيْهِمْ فُتِحَ عَلَيْهِمْ بَابٌ مِنْ جَهَنَّمَ بِحَرٍّ شَدِيدٍ أَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ظِلٌّ وَلَا مَاءٌ فَإِذَا دَخَلُوا الْأَسْرَابَ لِيَتَبَرَّدُوا وَجَدُوهَا أَشَدَّ حَرًّا مِنَ الظَّاهِرِ فَخَرَجُوا هَرَبًا إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ فِيهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ فَتَنَادَوْا عَلَيْكُمُ الظُّلَّةُ فَاجْتَمَعُوا تَحْتَهَا كُلُّهُمْ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ وَأَلْهَبَهَا اللَّهُ نَارًا وَرَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَاحْتَرَقُوا كَمَا يَحْتَرِقُ الْجَرَادُ الْمَقْلُوُّ فَصَارُوا رَمَادًا.

وَرُوِيَ أَنَّ الرِّيحَ حُبِسَتْ عَنْهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْحَرُّ

،

وَقَالَ يَزِيدُ الْجَرِيرِيُّ: سُلِّطَ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رُفِعَ لَهُمْ جَبَلٌ مِنْ بَعِيدٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَإِذَا تَحْتَهُ أَنْهَارٌ وَعُيُونٌ فَاجْتَمَعُوا تَحْتَهُ كُلُّهُمْ فَوَقَعَ ذَلِكَ الْجَبَلُ عَلَيْهِمْ

،

وَقَالَ قَتَادَةُ: أُرْسِلَ شُعَيْبٌ إِلَى أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ فَأُهْلِكُوا بِالظُّلَّةِ وَإِلَى أَصْحَابِ مَدْيَنَ فَصَاحَ بِهِمْ جِبْرِيلُ صَيْحَةً فَهَلَكُوا جَمِيعًا

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِرْقَةً مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ هَلَكَتْ بِالرَّجْفَةِ وَفِرْقَةً هَلَكَتْ بِالظُّلَّةِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَلَغَنِي أَنَّ رجلا منهم يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ جَلْهَا لَمَّا رَأَى الظُّلَّةَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

يَا قَوْمِ إِنَّ شُعَيْبًا مُرْسَلٌ فَذَرُوا ... عَنْكُمْ سُمَيْرًا وَعِمْرَانَ بْنَ شَدَّادِ

إِنِّي أَرَى غَيْمَةً يَا قَوْمِ قَدْ طَلَعَتْ ... تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَةِ الْوَادِ

وَإِنَّهُ لَنْ تَرَوْا فِيهَا صُحَاءَ غَدٍ ... إِلَّا الرَّقِيمَ تَمَشَّى بَيْنَ أَنْجَادِ

سُمَيْرٌ وَعِمْرَانُ كَاهِنَاهُمْ وَالرَّقِيمُ كَلْبُهُمْ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الله البجلي: أبو جاد وَهَوَّزْ وَحُطِّي وَكَلَمُنْ وَسَعْفَصْ وقرشت أسماء ملوك مَدْيَنَ وَكَانَ كَلَمُنْ مَلِكَهُمْ يَوْمَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ زَمَانَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا هَلَكَ قَالَتِ ابْنَتُهُ تَبْكِيهِ:

كَلَمُنْ قَدْ هَدَّ رُكْنِي ... هُلْكُهُ وَسْطَ الْمَحَلَّهْ

سيّد القوم أتاه ... حتف نار وسط ظله

جعلت نار عَلَيْهِمْ ... دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَيْ كَأَنْ لَمْ يُقِيمُوا نَاعِمِي الْبَالِ رَخِيِّي الْعَيْشِ فِي دَارِهِمْ وَفِيهَا قُوَّةُ الْإِخْبَارِ عَنْ هَلَاكِهِمْ وَحُلُولُ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ «٢» وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إِلَى الصَّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بمكة سامر


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٦.
(٢) سورة يُونُسَ: ١٠/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>