أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ الْهَمْزَةُ دَخَلَتْ عَلَى أَمِنَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى جِهَةِ التَّوْقِيفِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ وَالْوَعِيدِ لِلْكَافِرِينَ الْمُعَاصِرِينَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُ مَا نَزَلْ بِأُولَئِكَ وَالْفَاءُ لِعَطْفِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
(فَإِنْ قُلْتَ) : مَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَلِمَ عُطِفَتِ الْأُولَى بِالْفَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ (قُلْتُ) : الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى - إِلَى- يَكْسِبُونَ وَقَعَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عُطِفَتْ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلُوا وَصَنَعُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً أَبَعْدَ ذَلِكَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَأَمِنُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ الَّذِي بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ عَاطِفٌ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ مِنَ الْجُمَلِ رُجُوعٌ إِلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فِي ذَلِكَ وَتَخْرِيجٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَرَّرَ هُوَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَحْذُوفٍ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَحَرْفِ الْعَطْفِ يَصِحُّ بِتَقْدِيرِهِ عَطْفُ مَا بَعْدَ الْحَرْفِ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْهَمْزَةَ وَحَرْفَ الْعَطْفِ وَاقِعَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَقْدِيمَ حَرْفِ الْعَطْفِ عَلَى الْهَمْزَةِ فِي التَّقْدِيرِ وَأَنَّهُ قَدَّمَ الِاسْتِفْهَامَ اعْتِنَاءً لِأَنَّهُ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وبَأْسُنا عَذَابُنَا وبَياتاً لَيْلًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ أَوَّلَ السُّورَةِ، وَنَصَبَهُ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ وَقْتَ مَبِيتِهِمْ أَوِ الْحَالِ وَذَلِكَ وَقْتُ الْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ فَمَجِيءُ الْعَذَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ الرَّاحَةِ وَالِاجْتِمَاعِ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ إِذْ أَتَى وَقْتَ الْمَأْمَنِ.
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَيْ فِي حَالِ الْغَفْلَةِ وَالْإِعْرَاضِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يجدي كأنهم يلعبون وضُحًى مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ ضحوة وَيُقَيَّدُ كُلُّ ظَرْفٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْحَالِ فَيُقَيَّدُ الْبَيَاتُ بِالنَّوْمِ وَالضُّحَى بِاللَّعِبِ وَجَاءَ نائِمُونَ بَاسِمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهَا حَالَةُ ثُبُوتٍ وَاسْتِقْرَارٍ للبائنين وَجَاءَ يَلْعَبُونَ بِالْمُضَارِعِ لِأَنَّهُمْ مُشْتَغِلُونَ بِأَفْعَالٍ مُتَجَدِّدَةٍ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَرَأَ نافع والابنان أوأمن بسكون الواو جعل أَوَعاطفة وَمَعْنَاهَا التَّنْوِيعُ لَا أَنَّ مَعْنَاهَا الْإِبَاحَةُ أَوِ التَّخْيِيرُ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ وَحَذَفَ وَرْشٌ هَمْزَةَ أَمِنَ وَنَقَلَ حَرَكَتِهَا إِلَى الْوَاوِ السَّاكِنَةِ وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهَا وَاوُ الْعَطْفِ وَتَكَرَّرَ لَفْظُ أَهْلُ الْقُرى لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّسْمِيعِ وَالْإِبْلَاغِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِالسَّامِعِ مَا لَا يَكُونُ فِي الضَّمِيرِ لَوْ جَاءَ أَوْ أَمِنُوا فَإِنَّهُ مَتَى قَصَدَ التَّفْخِيمَ وَالتَّعْظِيمَ وَالتَّهْوِيلَ جِيءَ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ.
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ جَاءَ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ وَإِسْنَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute