للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمَّا أَفْسَدُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أُخِذُوا هَذَا الْأَخْذِ.

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ لَوْ كَانُوا مِمَّنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يَتَلَبَّسُونَ بِالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَبِالطَّاعَاتِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ لِيَتَيَسَّرَ لَهُمْ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَلَكِنْ كَانُوا مِمَّنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الْأَنْبِيَاءَ فَيُؤْخَذُونَ بِاجْتِرَامِهِمْ وَكُلٌّ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّكْذِيبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ وَأُضِيفَ الْإِيمَانُ وَالتَّكْذِيبُ إِلَى الْعَبْدِ كَسْبًا وَالْمُوجِدُ لَهُمَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اللَّامُ فِي الْقُرى إِشَارَةٌ إِلَى الْقُرَى الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلَهُ تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ «١» ، كَأَنَّهُ قَالَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقُرَى الَّذِينَ كَذَّبُوا وَأُهْلِكُوا آمَنُوا بُدِّلَ كُفْرُهُمْ وَاتَّقَوُا الْمَعَاصِيَ مَكَانَ ارْتِكَابِهَا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآتَيْنَاهُمْ بِالْخَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقِيلَ:

أَرَادَ الْمَطَرَ وَالنَّبَاتَ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِسُوءِ كَسْبِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي الْقُرى لِلْجِنْسِ انْتَهَى، وَفِي قَوْلِهِ وَاتَّقَوُا الْمَعَاصِيَ نزغة الِاعْتِزَالِ رَتَّبَ تَعَالَى عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَتْحَ الْبَرَكَاتِ وَرَتَّبَ عَلَى التَّكْذِيبِ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِلْإِيمَانِ الْهَلَاكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَ التَّقْوَى لِأَنَّ التَّكْذِيبَ لَمْ يَنْفَعْ مَعَهُ الْخَيْرُ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِعْلُ الطَّاعَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَا يُرَادُ بِهَا مُعَيَّنٌ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ نَكِرَةً، وَقِيلَ: بَرَكَاتُ السَّمَاءِ الْمَطَرُ وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ الثِّمَارُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمَعْنَى لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِالرِّزْقِ، وَقِيلَ بَرَكَاتُ السَّمَاءِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ، وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ تَيْسِيرُ الْحَاجَاتِ، وَقِيلَ: بَرَكَاتُ السَّمَاءِ الْمَطَرُ وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ الْمَوَاشِي وَالْأَنْعَامُ وَحُصُولُ السَّلَامَةِ وَالْأَمْنِ، وَقِيلَ: الْبَرَكَاتُ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَاتُ فَمِنَ السَّمَاءِ بِجِهَةِ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ وَمِنَ الْأَرْضِ بِجِهَةِ النَّبَاتِ وَالْحِفْظِ لِمَا نَبَتَ هَذَا الَّذِي تُدْرِكُهُ فِطَرُ الْبَشَرِ وَلِلَّهِ خُدَّامٌ غَيْرُ ذَلِكَ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ وَمَا عَلِمَ اللَّهُ أَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنَّ السَّمَاءَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَبِ وَالْأَرْضَ مَجْرَى الْأُمِّ وَمِنْهُمَا تَحْصُلُ جَمِيعُ الْخَيْرَاتِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ وَالْأَخْذُ أَخْذُ إِهْلَاكٍ بِالذُّنُوبِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَفَتَحْنا بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَمَعْنَى الْفَتْحِ هُنَا التَّيْسِيرُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُسْتَغْلَقَةِ بِفَتْحِهَا وَمِنْهُ فَتَحْتَ عَلَى الْقَارِئِ إِذَا يَسَّرْتَ عَلَيْهِ بِتَلْقِينِكَ إِيَّاهُ مَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ إذا أراد القراءة.


(١) سورة الأعراف: ٧/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>