صَدَّرُوا الْجُمْلَةَ بِنَحْنُ وَأَدْخَلُوا الْبَاءَ فِي بِمُؤْمِنِينَ أَيْ إِنَّ إِيمَانَنَا لَكَ لَا يَكُونُ أَبَدًا ومَهْما مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ مُنْتَصِبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ فِعْلُ الشَّرْطِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يَحْضُرُ تَأْتِنَا بِهِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى مَهْما وَفِي بِها عَائِدٌ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى مَهْمَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَيَّةُ آيَةٍ كَمَا عَادَ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها «١» ، وَكَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
فَأَنَّثَ عَلَى الْمَعْنَى، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي عِدَادِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُحَرِّفُهَا مَنْ لَا يَدَ لَهُ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَضَعُهَا غَيْرَ مَوْضِعِهَا وَيَحْسَبُ مَهْمَا بِمَعْنَى مَتَى مَا وَيَقُولُ مَهْمَا جِئْتَنِي أَعْطَيْتُكَ وَهَذَا مِنْ وَضْعِهِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ وَاضِعِ الْعَرَبِيَّةِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ يَذْهَبُ فَيُفَسِّرُ مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ بِمَعْنَى الْوَقْتِ فَيُلْحِدُ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُوجِبُ الْجُثُوَّ بَيْنَ يَدَيِ النَّاظِرِ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ انْتَهَى، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ مَهْمَا لَا تَأْتِي ظَرْفَ زَمَانٍ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَانِيفِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصُرْ مَدْلُولُهَا عَلَى أَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ بَلْ قَالَ وَقَدْ تَرِدُ مَا وَمَهْمَا ظَرْفَيْ زَمَانٍ وَقَالَ فِي أُرْجُوزَتِهِ الطَّوِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ:
وَقَدْ أَتَتْ مَهْمَا وَمَا ظَرْفَيْنِ فِي ... شَوَاهِدَ مَنْ يَعْتَضِدْ بِهَا كُفِي
وَقَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ جَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ يَجْعَلُونَ مَا وَمَهْمَا مِثْلَ مِنْ فِي لُزُومِ التَّجَرُّدِ عَنِ الظَّرْفِ مع أنّ استعمالها ظَرْفَيْنِ ثَابِتٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُصَحَاءِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا عَنِ الْعَرَبِ زَعَمَ مِنْهَا أَنَّ مَا وَمَهْمَا ظَرْفَا زَمَانٍ وَكَفَانَا الرَّدَّ عَلَيْهِ فِيهَا ابْنُهُ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ وَقَدْ تَأَوَّلْنَا نَحْنُ بَعْضَهَا وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّكْمِيلِ لِشَرْحِ التَّسْهِيلِ مِنْ تَأْلِيفِنَا وَكَفَاهُ رَدًّا نَقْلُهُ عَنْ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ خِلَافَ مَا قَالَهُ لَكِنَّ مَنْ يُعَانِي عِلْمًا يَحْتَاجُ إِلَى مُثُولِهِ بَيْنَ يَدَيِ الشُّيُوخِ وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ مَهْما فِي الْآيَةِ بِأَنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مُلْحِدٌ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَأَمَّا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إِلَى آخَرِ كَلَامِهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَثَا بَيْنَ يَدَيِ النَّاظِرِ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ رَحَلَ مِنْ خُوَارَزْمَ فِي شَيْبَتِهِ إِلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِقِرَاءَةِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ كَانَ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ وَهُوَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُشَاوِرُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْدَلُسِيُّ مِنْ أَهْلِ بَابَرَةَ مِنْ بِلَادِ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ جَمِيعَ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَأَخْبَرَهُ به قراءة عن
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٠٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute