للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لَهَا أَيْ هِيَ الْحَاضِرَةُ فِي قُرَى الْبَحْرِ فَالتَّقْدِيرُ حاضِرَةَ قُرَى الْبَحْرِ أَيْ يَحْضُرُ أَهْلُ قُرَى الْبَحْرِ إِلَيْهَا لِبَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أَيْ يُجَاوِزُونَ أَمْرَ اللَّهِ فِي الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ تَعَالَى النَّهْيُ عَنِ الْعَمَلِ فِيهِ وَالِاشْتِغَالِ بِصَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ كان عصيانهم، وقرىء يَعْدُونَ مِنَ الْإِعْدَادِ وَكَانُوا يُعِدُّونَ آلَاتِ الصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ لَا يَشْتَغِلُوا فِيهِ بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ وَقَرَأَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَأَبُو نَهِيكٍ يَعْدُونَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَأَصْلُهُ يَعْتَدُونَ فَأُدْغِمَتِ التَّاءَ فِي الدَّالِ كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ «١» إِذْ ظَرْفٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ. قَالَ الْحَوْفِيُّ:

إِذْ مُتَعَلِّقَةٌ بِسَلْهُمْ انْتَهَى، وَلَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ إِذْ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى وَسَلْهُمْ مُسْتَقْبَلٌ وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا مُسْتَقْبَلًا لَمْ يَصِحِّ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَادِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَفْقُودُونَ فَلَا يُمْكِنُ سُؤَالُهُمْ وَالْمَسْئُولُ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْعَادِينَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِذْ يَعْدُونَ بدل عَنِ الْقَرْيَةِ وَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ أَهْلُهَا كَأَنَّهُ قِيلَ وَسَلْهُمْ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَقْتَ عُدْوَانِهِمْ فِي السَّبْتِ وَهُوَ مِنْ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ انْتَهَى، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إِذْ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ وَجَعْلُهَا بَدَلًا يَجُوزُ دُخُولُ عَنْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ وَلَوْ أُدْخِلَتْ عَنْ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا تُصُرِّفَ فِيهَا بِأَنْ أُضِيفَ إِلَيْهَا بَعْضُ الظُّرُوفِ الزَّمَانِيَّةِ نَحْوُ يَوْمَ إِذْ كَانَ كَذَا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِأَنْ تَكُونَ مَفْعُولَةً بِاذْكُرْ فَهُوَ قَوْلُ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَأْوِيلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ إِبْقَائِهَا ظَرْفًا، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ عَنِ الْقَرْيَةِ: أَيْ عَنْ خَبَرِ الْقَرْيَةِ وَهَذَا الْمَحْذُوفُ هُوَ النَّاصِبُ لِلظَّرْفِ الَّذِي هُوَ إِذْ يَعْدُونَ وَقِيلَ هُوَ ظَرْفٌ لِلْحَاضِرَةِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ خُرِّبَتِ انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي السَّبْتِ ويَوْمَ سَبْتِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ الْيَوْمُ وَمَعْنَى اعْتَدَوْا فِيهِ أَيْ بِعِصْيَانِهِمْ وَخِلَافِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السَّبْتُ مَصْدَرُ سَبَتَتِ الْيَهُودُ إِذَا عَظَّمَتْ سَبْتَهَا بِتَرْكِ الصَّيْدِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّعَبُّدِ فَمَعْنَاهُ يَعْدُونَ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ سَبْتِهُمْ يَوْمَ تَعْظِيمِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ وإِذْ تَأْتِيهِمْ الْعَامِلُ فِي إِذْ يَعْدُونَ أَيْ إِذْ عَدَوْا فِي السَّبْتِ إِذْ أَتَتْهُمْ لِأَنَّ إِذْ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى يَصْرِفُ الْمُضَارِعَ لِلْمُضِيِّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا بَعْدَ بَدَلٍ انْتَهَى، يَعْنِي بَدَلًا مِنَ الْقَرْيَةِ بَعْدَ بَدَلِ إِذْ يَعْدُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَأَضَافَ السَّبْتِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بأحكام فيه.


(١) سورة النساء: ٤/ ١٥٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>