للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فَالْقَائِلَةُ: إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمُوا أَنَّ الْوَعْظَ لَا يَنْفَعُ فِيهِمْ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ قَبُولِهِمْ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا فِرْقَتَيْنِ عَاصِيَةً وَطَائِعَةً وَأَنَّ الطَّائِعَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْعَاصِيَةَ لَا يُجْدِي فِيهَا الْوَعْظُ وَلَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا:

لِمَ تَعِظُونَ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مَعْذِرَةً بِالرَّفْعِ أَيْ مَوْعِظَتُنَا إِقَامَةُ عُذْرٍ إِلَى اللَّهِ وَلِئَلَّا نُنْسَبَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِلَى بَعْضِ التَّفْرِيطِ وَلِطَمَعِنَا فِي أَنْ يَتَّقُوا الْمَعَاصِيَ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَاصِمٌ فِي بَعْضِ مَا رُوِيَ عَنْهُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ مَعْذِرَةً بِالنَّصْبِ أَيْ وَعَظْنَاهُمْ مَعْذِرَةً، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَعْذِرَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ كَذَا لَنَصَبَ انْتَهَى، وَيَخْتَارُ هَنَا سِيبَوَيْهِ الرَّفْعَ قَالَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَعْتَذِرُوا اعْتِذَارًا مُسْتَأْنَفًا وَلَكِنَّهُمْ قِيلَ: لَهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَالُوا: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةٌ، وقال أبو البقاء: من نَصَبَ فَعَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ وَعْظُنَا لِلْمَعْذِرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ أَيْ نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً وَقَالَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ.

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الضَّمِيرُ فِي نَسُوا لِلْمَنْهِيِّينَ أَيْ تَرَكُوا مَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ الصَّالِحُونَ وَجَعَلَ التَّرْكَ نِسْيَانًا مُبَالَغَةً إِذْ أَقْوَى أَحْوَالِ التَّرْكِ أَنْ يُنْسَى الْمَتْرُوكُ وَمَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي.

قَالَ ابْنُ عطية: ويحتمل أن يراد بِهِ الذِّكْرُ نَفْسُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا كَانَ فِي الذِّكْرِ انْتَهَى، وَلَا يَظْهَرُ لِي هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ وَالسُّوءُ عَامٌّ فِي الْمَعَاصِي وَبِحَسَبَ الْقَصَصِ يَخْتَصُّ هُنَا بِصَيْدِ الْحُوتِ والَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْعَاصُونَ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ فِي أَخْذِهِمْ وَهِيَ الظُّلْمُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: بَئِيسٍ شَدِيدٌ مُوجِعٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مُهْلِكٌ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَغَيْرُهُمَا بِيسٍ عَلَى وَزْنِ جَيِّدٍ، وَابْنُ عَامِرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ هَمَزَ كَبِئْرٍ وَوُجِّهَتَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ سُمِّيَ بِهِ كَمَا

جَاءَ «أَنْهَاكُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ»

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وُضِعَ وَصْفًا عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ كَحِلْفٍ فَلَا يَكُونُ أَصْلُهُ فِعْلًا، وَخَرَّجَهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ بَيْئِسٌ فَخُفِّفَ الهمزة فالتفت يَاءَانِ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا وَكُسِرَ أَوَّلُهُ كَمَا يُقَالُ رَغِيفٌ وَشَهِيدٌ، وَخَرَّجَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ فَكُسِرَ أَوَّلُهُ إِتْبَاعًا ثُمَّ حُذِفَتِ الْكَسْرَةُ كَمَا قَالُوا فَخِذٌ ثُمَّ خَفَّفُوا الْهَمْزَةَ وَقَرَأَ الْحَسَنُ بَئِيسٍ بِهَمْزٍ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَنْ نَافِعٍ كَمَا تَقُولُ بِيسَ الرَّجُلُ، وَضَعَّفَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ: لَا وَجْهَ لَهَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ بِيسَ حَتَّى يُقَالَ بِيسَ الرَّجُلُ أَوْ بِيسَ رَجُلًا، قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا مَرْدُودٌ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَاتِمٍ حَكَى النَّحْوِيُّونَ إِنْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ يُرِيدُونَ وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ وَالتَّقْدِيرُ بِيسَ العذاب، وقرىء بَئِسَ عَلَى وَزْنِ شَهِدَ حَكَاهَا يَعْقُوبُ الْقَارِئُ وَعَزَاهَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ إِلَى عيسى بن

<<  <  ج: ص:  >  >>