وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَعْلَمَ أَنْبِيَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيَبْعَثَنَّ لَيُرْسِلَنَّ وَلَيُسَلِّطَنَّ لِقَوْلِهِ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا «١» وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمْ عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَوْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّصَارَى قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقِيلَ: نَسْلُ الْمَمْسُوخِينَ وَالَّذِينَ بَقُوا مِنْهُمْ وَقِيلَ:
يَهُودُ خَيْبَرَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَعَلَى هَذَا تَرَتَّبَ الْخِلَافُ فِي مَنْ يَسُومُهُمْ، فَقِيلَ: بُخْتُنَصَّرَ وَمَنْ أَذَلَّهُمْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ الْمَجُوسُ كَانَتِ الْيَهُودُ تُؤَدِّي الْجِزْيَةَ إِلَيْهِمْ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَزَالُ مَضْرُوبَةً عَلَيْهِمْ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، وَقِيلَ: الْعَرَبُ كَانُوا يَجْبُونَ الْخَرَاجَ مِنَ الْيَهُودِ قاله ابن جبير، و. قال السُّدِّيُّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَرَبَ يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَيَقْتُلُونَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَبْعُوثُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأمته وَلَمْ يَجْبِ الْخَرَاجَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا مُوسَى جَبَاهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أَمْسَكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وسُوءَ الْعَذابِ الْجِزْيَةُ أَوِ الْجِزْيَةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَكِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوِ الْقِتَالُ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقِيلَ: الْإِخْرَاجُ وَالْإِبْعَادُ عَنِ الْوَطَنِ وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِمْ عَائِدٌ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ وَقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا دَوْلَةَ لِلْيَهُودِ وَلَا عِزَّ وَأَنَّ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ فِيهِمْ لَا يُفَارِقُهُمْ وَلَمَّا كَانَ خَبَرًا فِي زَمَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَشَاهَدْنَا الْأَمْرَ كَذَلِكَ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَغِيبٍ صِدْقًا فَكَانَ مُعْجِزًا وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي أَتْبَاعِ الدَّجَّالِ أَنَّهُمْ هُمُ الْيَهُودُ فَتَسْمِيَةً بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ إِذْ هُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دَانُوا بِإِلَهِيَّةِ الدَّجَّالِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ إِنْ صَحَّ وَالْآيَةِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَطِيَّةَ: وَلَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الرُّومِ أَمْلَقَتْ فِي صُقْعِهَا فَبَاعَتِ الْيَهُودَ الْمُجَاوِرَةَ لَهُمْ وَتَمَلَّكُوهُمْ.
إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ. إِخْبَارٌ يَتَضَمَّنُ سُرْعَةَ إِيقَاعِ الْعَذَابِ بِهِمْ.
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. تَرْجِيَةٌ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَوَعْدٌ لِمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ.
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ. أَيْ فِرَقًا مُتَبَايِنِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَقَلَّ أَرْضٌ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِيهَا شِرْذِمَةٌ وَهَذَا حَالُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ تَحْتَ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلُ تِلْكَ الْأَرْضِ مُسْلِمِينَ أَمْ كُفَّارًا وأُمَماً حَالٌ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ هَذَا فِي قَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ والصَّالِحُونَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَوْ مَنْ آمَنَ بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُمْ مُنْحَطُّونَ عَنِ الصَّالِحِينَ وَهُمُ الْكَفَرَةُ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الصلاح أي ومنهم قوم دُونَ أَهْلِ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ التَّقْسِيمُ إِلَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِهِ أُولَئِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ
(١) سورة الإسراء: ١٧/ ٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute