للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ ظُهُورِ ذُرِّيَّاتِ بَنِي آدَمَ مِيثَاقَ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَاسْتَعَارَ أَنْ يَكُونَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ مِنَ الظَّهْرِ كَأَنَّ الْمِيثَاقَ لِصُعُوبَتِهِ وَلِلِارْتِبَاطِ بِهِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَهُ شَيْءٌ ثَقِيلٌ يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ وَهَذَا مِنْ تَمْثِيلِ الْمَعْنَى بِالْجَزْمِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِمَا نَصَبَ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ قَائِلًا أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى، وَقَرَأَ الْعَرَبِيَّانِ وَنَافِعٌ: ذُرِّيَّاتِهِمْ بِالْجَمْعِ وَتَقَدَّمَ إِعْرَابُهُ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ ذَرِّيَّتَهُمْ مُفْرَدًا بِفَتْحِ التَّاءِ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِأَخَذَ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مِيثَاقَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ بَنِي آدَمَ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ لِصُلْبِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُشْرِكٌ وَإِنَّمَا حَدَثَ الْإِشْرَاكُ فِي ذُرِّيَّتِهِمْ.

شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ. أَيْ قَالَ اللَّهُ شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ أَوْ قَالَ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ قَالَهُ السُّدِّيُّ، أَوْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ أَوْ شهد بعضهم على بعض أَقْوَالٍ وَمَعْنَى عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا الْمِيثَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ.

أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ. الْمَعْنَى أَنَّ الْكَفَرَةَ لَوْ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ عَهْدٌ وَلَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُذَكِّرٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْعَهْدُ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ لَكَانَتْ لَهُمْ حُجَّتَانِ إِحْدَاهُمَا: كُنَّا غَافِلِينَ وَالْأُخْرَى: كُنَّا أَتْبَاعًا لِأَسْلَافِنَا فَكَيْفَ نَهْلِكُ وَالذَّنْبُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ طَرَقَ لَنَا وَأَضَلَّنَا فَوَقَعَتِ الشَّهَادَةُ لِتَنْقَطِعَ عَنْهُمُ الْحُجَجُ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو أَنْ يَقُولُوا بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ.

أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ. هَذَا مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْ كَانُوا السَّبَبَ فِي شِرْكِنَا لِتَأْسِيسِهِمُ الشِّرْكَ وَتَقَدُّمِهِمْ فِيهِ وَتَرْكِهِ سُنَّةً لَنَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَزَالَ عَنْهُمُ الِاحْتِجَاجَ بِتَرْكِيبِ الْعُقُولِ فِيهِمْ وَتَذْكِيرِهِمْ بِبَعْثَةِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ فَقَطَعَ بِذَلِكَ أَعْذَارَهُمْ. وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي فَصَّلْنَا فِيهِ الْآيَاتِ السَّابِقَةَ نُفَصِّلُ الْآياتِ اللَّاحِقَةَ فَالْكُلُّ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فِي التَّفْصِيلِ وَالتَّوْضِيحِ لِأَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَبَرَاهِينِهِ. وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنْ شِرْكِهِمْ وَعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ وَالتَّوْضِيحِ وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ يُفَصِّلُ بِالْيَاءِ أَيْ يُفَصِّلُ هُوَ أَيِ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ أَيْ وَاتْلُ عَلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمَّا كَانَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ أَخْذَ الْمِيثَاقِ عَلَى تَوْحِيدِهِ تَعَالَى وَتَقْرِيرِ رُبُوبِيَّتِهِ وَذَكَرَ إِقْرَارَهُمْ بِذَلِكَ وَإِشْهَادَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ذَكَرَ حَالَ مَنْ آمَنَ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَفَرَ كَحَالِ الْيَهُودِ كَانُوا مُقِرِّينَ مُنْتَظِرِينَ بعثة رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اطَّلَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>