للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَفِيِّ أَخْبَارِهِمْ فَفِي إِخْبَارِكَ بِذَلِكَ أَعْظَمُ مُعْجِزٍ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا جَرَى عَلَى الْمُكَذِّبِينَ فَيَكُونَ ذَلِكَ عِبْرَةً لَهُمْ وَرَادِعًا عَنِ التَّكْذِيبِ وَأَنْ يَكُونُوا أَخْبَارًا شَنِيعَةً تُقَصُّ كَمَا قُصَّ خَبَرُ ذَلِكَ الْمُنْسَلِخِ.

ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ساءَ بِمَعْنَى بِئْسَ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ أَصْلَهَا التَّعَدِّي تَقُولُ: سَاءَنِي الشَّيْءُ يَسُوءُنِي ثُمَّ لَمَّا اسْتُعْمِلَتِ اسْتِعْمَالَ بِئْسَ بُنِيَتْ عَلَى فِعْلَ وَجَرَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُ بِئْسَ ومَثَلًا تَمْيِيزٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي سَاءَ فَاعِلًا وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِهَذَا التَّمْيِيزِ وَهُوَ مِنَ الضَّمَائِرِ الَّتِي يُفَسِّرُهَا مَا بَعْدَهَا وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَعَنِ الْكُوفِيِّينَ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَنْ جِنْسِ التَّمْيِيزِ فَاحْتِيجَ إِلَى تَقْدِيرِ حَذْفٍ إِمَّا فِي التَّمْيِيزِ أَيْ سَاءَ أَصْحَابُ مَثَلِ الْقَوْمِ وَإِمَّا فِي الْمَخْصُوصِ أَيْ سَاءَ مَثَلًا مَثَلُ الْقَوْمِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَثَلُ مَوْصُوفًا بِالسُّوءِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالسُّوءِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِالسُّوءِ مَا أَفَادَهُ الْمَثَلُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا حَتَّى صَارُوا فِي التَّمْثِيلِ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ اللَّاهِثِ انْتَهَى وَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ لَيْسَ هُنَا ضَرْبُ مَثَلٍ وَالْمَثَلُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَصْفِ وَبَيْنَ مَا يُضْرَبُ مَثَلًا وَالْمُرَادُ هُنَا الوصف فمعنى فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَيْ وَصْفُهُ وَصْفُ الْكَلْبِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ بَلْ كَمَا قَالَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا «١» أَيْ صِفَتُهُمْ كَصِفَةِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ وَكَقَوْلِهِ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ «٢» أَيْ صِفَتُهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَوْلُهُ ساءَ مَثَلًا مَعْنَاهُ بِئْسَ وَصْفًا فَلَيْسَ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ فِي شَيْءٍ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْأَعْمَشُ: سَاءَ مَثَلُ بِالرَّفْعِ الْقَوْمُ بِالْخَفْضِ وَاخْتُلِفَ عَلَى الْجَحْدَرِيِّ فَقِيلَ: كَقِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الثَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ مُضَافًا إِلَى الْقَوْمُ وَالْأَحْسَنُ فِي قِرَاءَةِ الْمَثَلِ بِالرَّفْعِ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ وَيُجْعَلَ مِنْ بَابِ التَّعَجُّبِ نَحْوُ لَقَضُوَ الرَّجُلُ أَيْ مَا أَسْوَأَ مَثَلَ الْقَوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَبِئْسَ عَلَى حَذْفِ التَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُهُ التَّقْدِيرُ سَاءَ مَثَلُ الْقَوْمِ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ الَّذِينَ كَذَّبُوا على حذف مضاعف أَيْ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ مَثَلُ الَّذِينَ كَذَّبُوا لِتَكُونَ الَّذِينَ مَرْفُوعًا إِذْ قَامَ مَقَامَ مَثَلٍ الْمَحْذُوفِ لَا مَجْرُورًا صِفَةً لِلْقَوْمِ عَلَى تقدير حذف التمييز.


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٧.
(٢) سورة الرعد: ١٣/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>