مَا يُنَاقِضُهَا أَوْ لَمْ يُعْطَفْ وَالْأَوَّلُ تَرْكُ الْوَاوِ مُسْتَمِرٌّ فِيهِ نَحْوُ أَتَيْتُكَ إِنْ أَتَيْتَنِي وَإِنْ لَمْ تَأْتِنِي إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ النَّقِيضَيْنِ مِنَ الشَّرْطَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَبْقَيَانِ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ بَلْ يَتَحَوَّلَانِ إِلَى مَعْنَى التَّسْوِيَةِ كَالِاسْتِفْهَامَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ فِي قَوْلِهِ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ «١» وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ أَتَيْتُكَ وَإِنْ لَمْ تَأْتِنِي وَلَوْ تَرَكَ الْوَاوَ لَالْتَبَسَ بِالشَّرْطِ حَقِيقَةً انْتَهَى فَقَوْلُهُ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِ وَالتَّرْكَ نَقِيضَانِ.
ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ وَصْفُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صفتهم كصفة الكلب لا هثا فِي الْحَالَتَيْنِ فَكَمَا شَبَّهَ وَصْفَ الْمُؤْتَى الْآيَاتِ الْمُنْسَلِخِ مِنْهَا بِالْكَلْبِ فِي أَخَسِّ حَالَاتِهِ كَذَلِكَ شَبَّهَ بِهِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْآيَاتِ حَيْثُ أُوتُوهَا وَجَاءَتْهُمْ وَاضِحَاتٍ تَقْتَضِي التَّصْدِيقَ بِهَا فَقَابَلُوهَا بِالتَّكْذِيبِ وَانْسَلَخُوا مِنْهَا وَاحْتَمَلَ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً لِمَثَلِ الْمُنْسَلِخِ وَأَنْ يَكُونَ إِشَارَةً لِوَصْفِ الْكَلْبِ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ مَحْذُوفَةً مِنْ ذَلِكَ أَيْ صِفَةُ ذَلِكَ صِفَةُ الَّذِينَ كَذَّبُوا وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مَحْذُوفَةً مِنْ مَثَلُ الْقَوْمِ أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ وَصْفُ الْمُنْسَلِخِ أَوْ وَصْفُ الْكَلْبِ كَمَثَلِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي ذَمِّ الْمُكَذِّبِينَ حَيْثُ جُعِلُوا أَصْلًا وَشُبِّهَ بِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ هَذَا الْمَثَلُ يَا مُحَمَّدُ مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا ضَالِّينَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بِالْهُدَى وَالرِّسَالَةِ ثُمَّ جِئْتَهُمْ بِذَلِكَ فَبَقُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْكَلْبِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَذَّبُوا بِآياتِنا مِنَ اليهود بعد ما قرؤوا بعثة رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ وَذِكْرَ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ وَمَا فِيهِ وَبَشَّرُوا النَّاسَ بِاقْتِرَابِ مَبْعَثِهِ وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ كُفَّارَ مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ هَادِيًا يَهْدِيهِمْ وَدَاعِيًا يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ الله ثم جاء هم مَنْ لَا يُشَكُّ فِي صِدْقِهِ وَدِيَانَتِهِ وَنُبُّوتِهِ فَكَذَّبُوهُ فَحَصَلَ التَّمْثِيلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَلْبِ الَّذِي إِنْ تَحْمِلْ عليه يهلث أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا لِمَا تَرَكُوا وَلَمْ يَهْتَدُوا لِمَا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ فَبَقُوا عَلَى الضَّلَالِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ مِثْلَ الْكَلْبِ الَّذِي يَلْهَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى، وَتَلَخَّصَ أَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُكَذِّبُونَ بِالْآيَاتِ عَامٌّ أَمْ خَاصٌّ بِالْيَهُودِ أَمْ بِكُفَّارِ مَكَّةَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ وَالْأَظْهَرُ الْعُمُومُ.
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. أَيْ فَاسْرُدْ أَخْبَارَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ كَخَبَرِ بِلْعَامٍ أَوْ مَنْ فُسِّرَ بِهِ الْمُنْسَلِخُ إِذْ هُوَ مِنَ الْقَصَصِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ دَرَسَ الْكُتُبَ إِذْ هُوَ من
(١) سورة البقرة: ٢/ ٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute