للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَابِضًا لَهَثَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: شَبَّهَ الْمُتَهَالِكَ عَلَى الدُّنْيَا فِي قَلَقِهِ وَاضْطِرَابِهِ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَلُزُومِهِ ذَلِكَ بِالْكَلْبِ فِي حَالَتِهِ هَذِهِ الَّتِي هِيَ مُلَازِمَةٌ لَهُ حَالَةَ تَهْيِيجِهِ وَتَرْكِهِ وَهِيَ كَوْنُهُ لَا يَزَالُ لا هثا وَهِيَ أَخَسُّ أَحْوَالِهِ وَأَرْذَلُهَا كَمَا أَنَّ الْمُتَهَالِكَ عَلَى الدُّنْيَا لَا يَزَالُ تَعِبًا قَلِقًا فِي تَحْصِيلِهَا قَالَ الْحَسَنُ هُوَ مِثْلَ الْمُنَافِقِ لَا يُنِيبُ إِلَى الْحَقِّ دُعِيَ أَوْ لَمْ يُدْعَ أُعْطِيَ أَوْ لَمْ يُعْطَ كَالْكَلْبِ يَلْهَثُ طَرْدًا وَتَرْكًا انْتَهَى، وَفِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ أَخَسُّ الْحَيَوَانِ وَأَذَلُّهُ لِضَرْبِ الْخِسَّةِ فِي الْمَثَلِ بِهِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهِ وَلَوْ كَانَ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ مَا هُوَ أَخَسُّ مِنَ الْكَلْبِ مَا ضُرِبَ الْمَثَلُ إِلَّا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّمَا شُبِّهَ فِي أَنَّهُ كَانَ ضَالًّا قَبْلَ أَنْ يُؤْتَى الْآيَاتِ ثُمَّ أُوتِيَهَا أَيْضًا ضَالًّا لَمْ تَنْفَعْهُ فَهُوَ كَالْكَلْبِ فِي أَنَّهُ لَا يُفَارِقُ اللَّهْثَ فِي حَالِ حَمْلِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ دُونَ حَمْلٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الرَّجُلُ خَرَجَ لِسَانُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَ يَلْهَثُ كَمَا يَلْهَثُ الْكَلْبُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ فَحَطَطْنَاهُ وَوَضَعْنَا مَنْزِلَتَهُ فَوَقَعَ قَوْلُهُ:

فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ مُوقِعَ فَحَطَطْنَاهُ أَبْلَغَ حَطٍّ لِأَنَّ تَمْثِيلَهُ بِالْكَلْبِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهِ وَأَرْذَلِهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ انْتَهَى وَفِي قَوْلِهِ وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ إِلَى آخِرِهِ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ فَوَقَعَ قَوْلُهُ فَمَثَلُهُ إِلَى آخِرِهِ فَلَيْسَ وَاقِعًا مَوْقِعَ مَا ذُكِرَ لَكِنْ قَوْلُهُ وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَعَ مَوْقِعَ فَحَطَطْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِ أَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ فَقَالَ آتَيْناهُ آياتِنا ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلَمَّا ذَكَرَ مَا هو في الشَّخْصِ إِسَاءَةً أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ فَانْسَلَخَ مِنْها وَقَالَ: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي سَلَخَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَأَخْلَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَجَاءَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها «١» وَقَوْلِهِ: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا «٢» فِي نِسْبَةِ مَا كَانَ حَسَنًا إِلَى اللَّهِ وَنِسْبَةِ مَا كَانَ بِخِلَافِهِ إِلَى الشَّخْصِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ لَاهِثًا فِي الْحَالَتَيْنِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ كِتَابِ الْمِصْبَاحِ: وَأَمَّا الشُّرْطِيَّةُ فَلَا تَكَادُ تَقَعُ بِتَمَامِهَا مَوْضِعَ الْحَالِ فَلَا يُقَالُ جَاءَنِي زَيْدٌ إِنْ يَسْأَلْ يُعْطَ عَلَى الْحَالِ بَلْ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَجُعِلَتِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ مَا أُرِيدَ الْحَالُ عَنْهُ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ هُوَ وَإِنْ يَسْأَلْ يُعْطَ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ مَوْقِعَ الْحَالِ هُوَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ لَا الشُّرْطِيَّةُ، نَعَمْ قَدْ أَوْقَعُوا الْجُمَلَ الْمُصَدَّرَةَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ مَوْقِعَ الْحَالِ وَلَكِنْ بَعْدَ مَا أَخْرَجُوهَا عَنْ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ وَتِلْكَ الْجُمْلَةُ لَمْ تَخْلُ مِنْ أن يعطف عليها


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٧٩.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>