حَالَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْخَلْقِ وَمَعْنَى جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أَيْ حَرَّفَاهُ عَنِ الْفِطْرَةِ إِلَى الشِّرْكِ كَمَا
جَاءَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» .
وَقَالَ الْقَفَّالُ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا وَذَكَرَ حَالَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وجَعَلا أَيِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، لِلَّهِ تَعَالَى شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا لِأَنَّهُمَا تَارَةً يَنْسُبُونَ ذَلِكَ الْوَلَدَ إِلَى الطَّبَائِعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّبَائِعِيِّينَ وَتَارَةً إِلَى الْكَوَاكِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَتَارَةً إِلَى الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ انْتَهَى، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ، وَقِيلَ الْخِطَابُ بِخَلَقَكُمْ خَاصٌّ وَهُوَ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا يُقَرِّبُونَ الْمَوْلُودَ لِلَّاتَ وَالْعُزَّى وَالْأَصْنَامِ تَبَرُّكًا بِهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَنْقَطِعُونَ بِأَمَلِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِ الْوَلَدِ إِلَى انْفِصَالِهِ ثُمَّ يُشْرِكُونَ فَحَصَلَ التَّعَجُّبُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: الْخِطَابُ خَاصٌّ أَيْضًا وَهُوَ لِقُرَيْشٍ الْمُعَاصِرِينَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَفْسٍ واحِدَةٍ هُوَ قَضَى مِنْهَا أَيْ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَةٌ عَرَبِيَّةٌ قُرَشِيَّةٌ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا وَالصَّالِحُ الْوَلَدُ السَّوِيُّ جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ حَيْثُ سَمَّيَا أَوْلَادَهُمَا الْأَرْبَعَةَ عَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدَ قُصَيٍّ وَعَبْدَ الدَّارِ وَالضَّمِيرُ فِي يُشْرِكُونَ لَهُمَا وَلِأَعْقَابِهِمَا الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمَا فِي الشِّرْكِ انْتَهَى.
لِيَسْكُنَ إِلَيْها لِيَطْمَئِنَّ وَيَمِيلَ وَلَا يَنْفِرَ لِأَنَّ الْجِنْسَ إِلَى الْجِنْسِ أَمْيَلُ وَبِهِ آنَسُ وَإِذَا كَانَ مِنْهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَالسُّكُونُ وَالْمَحَبَّةُ أَبْلَغُ كَمَا يَسْكُنُ الْإِنْسَانُ إِلَى وَلَدِهِ وَيُحِبُّهُ مَحَبَّةَ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ لِكَوْنِهِ بَعْضًا مِنْهُ وَأَنَّثَ فِي قَوْلِهِ مِنْها ذَهَابًا إِلَى لَفْظِ النَّفْسِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ لِيَسْكُنَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى النَّفْسِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الذَّكَرُ آدَمُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ التَّأْوِيلَاتِ وَكَانَ الذَّكَرُ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ إِلَى الْأُنْثَى وَيَتَغَشَّاهَا فَكَانَ التَّذْكِيرُ أَحْسَنَ طِبَاقًا لِلْمَعْنَى.
فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ إِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ آدَمَ فَخَلْقُ حَوَّاءَ كَانَ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا التَّغَشِّي وَالْحَمْلُ فَكَانَا فِي الْأَرْضِ وَالتَّغَشِّي وَالْغَشَيَانُ وَالْإِتْيَانُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَمَعْنَى الْخِفَّةِ أَنَّهَا لَمْ تَلْقَ بِهِ مِنَ الْكَرْبِ مَا يَعْرِضُ لِبَعْضِ الْحَبَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا مَصْدَرًا وَأَنْ يَكُونَ مَا فِي الْبَطْنِ وَالْحَمْلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ الشَّجَرَةِ وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ عَلَى رَأْسِ غَيْرِ شَجَرَةٍ، وَحَكَى يَعْقُوبُ فِي حَمْلِ النَّخْلِ، وَحَكَى أَبُو سَعِيدٍ في حمل المرأة حمل وَحَمَلَ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْحَمْلُ الْخَفِيفُ هُوَ الْمَنِيُّ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا، وَقَرَأَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ حَمْلًا بِكَسْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute