الْحَاءِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَمَرَّتْ بِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: أَيِ اسْتَمَرَّتْ بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا عَلَى الْقَلْبِ أَيْ فَمَرَّ بِهَا أَيِ اسْتَمَرَّ بِهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَمَضَتْ بِهِ إِلَى وَقْتِ مِيلَادِهِ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ وَلَا إِزْلَاقٍ، وَقِيلَ: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً يَعْنِي النُّطْفَةَ فَمَرَّتْ بِهِ فَقَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ انْتَهَى، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذَكَرَ النَّقَّاشُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَأَيُّوبُ فَمَرَّتْ بِهِ خَفِيفَةَ الرَّاءِ مِنَ الْمِرْيَةِ أَيْ فَشَكَّتْ فِيمَا أَصَابَهَا أَهُوَ حَمْلٌ أَوْ مَرَضٌ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْتَمَرَّتْ بِهِ لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا التَّضْعِيفَ فَخَفَّفُوهُ نَحْوَ وَقَرَنَ فِيمَنْ فَتَحَ مِنَ الْقَرَارِ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو بن العاصي وَالْجَحْدَرِيُّ: فَمَارَتْ بِهِ بِأَلِفٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ جَاءَتْ وَذَهَبَتْ وَتَصَرَّفَتْ بِهِ كَمَا تَقُولُ مَارَتِ الرِّيحُ مَوْرًا وَوَزْنُهُ فَعَلَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنَ الْمِرْيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَتُمارُونَهُ «١» وَمَعْنَاهُ وَمَعْنَى الْمُخَفَّفَةِ فَمَرَتْ وَقَعَ فِي نَفْسِهَا ظَنُّ الْحَمْلِ وَارْتَابَتْ بِهِ وَوَزْنُهُ فَاعَلَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهَا، وَقَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وقاص وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكُ فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالْجِرْمِيُّ فَاسْتَمَارَتْ بِهِ وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إِلَى الْمِرْيَةِ بَنَى مِنْهَا اسْتَفْعَلَ كَمَا بَنَى مِنْهَا فَاعَلَ فِي قَوْلِكَ مَارَيْتُ.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. أَيْ دَخَلَتْ فِي الثِّقَلِ كَمَا تَقُولُ أَصْبَحَ وَأَمْسَى أَوْ صَارَتْ ذَاتَ ثِقْلٍ كَمَا تَقُولُ أَتْمَرَ الرَّجُلُ وَأَلْبَنَ إِذَا صَارَ ذَا تَمْرٍ وَلَبَنٍ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ حَانَ وَقْتُ ثِقَلِهَا كَقَوْلِهِ أَقْرَبَتْ، وقرىء أَثْقَلَتْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ رَبَّهُما أَيْ مَالِكَ أَمْرِهِمَا الَّذِي هُوَ الْحَقِيقُ أَنْ يُدْعَى وَمُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ جَوَابِ الْقَسَمِ أَيْ دَعَوَا اللَّهَ وَرَغِبَا إِلَيْهِ فِي أَنْ يُؤْتِيَهُمَا صالِحاً ثُمَّ أَقْسَمَا عَلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ مِنَ الشَّاكِرِينَ إِنْ آتَاهُمَا صَالِحًا لِأَنَّ إِيتَاءَ الصَّالِحِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى وَالِدَيْهِ كَمَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ»
فَذَكَرَ الْوَلَدَ الصَّالِحَ يَدْعُو لِوَالِدِهِ فَيَنْبَغِي الشُّكْرُ عَلَيْهَا إِذْ هِيَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَمَعْنَى صالِحاً مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ وَلَدًا طَائِعًا أَوْ وَلَدًا ذَكَرًا لِأَنَّ الذُّكُورَةَ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْجَوْدَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: سَمَّيَاهُ غُلَامًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَشَرًا سَوِيًّا سَلِيمًا، ولَنَكُونَنَّ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَأَقْسَمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا أَوْ مُقْسِمِينَ لَئِنْ آتَيْتَنا وَانْتِصَابُ صالِحاً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِآتَيْتَنَا وَفِي الْمُشْكِلِ لِمَكِّيٍّ أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أَيِ ابْنًا صَالِحًا.
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما مَنْ جَعَلَ الْآيَةَ فِي آدَمَ وَحَوَّاءَ جَعَلَ الضَّمَائِرَ وَالْأَخْبَارَ لَهُمَا وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَاتٍ جَرَتْ بَيْنَ إِبْلِيسَ وآدم وحواء لم
(١) سورة النجم: ٥٣/ ١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute