للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَثْبُتْ فِي قُرْآنٍ وَلَا حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَأَطْرَحْتُ ذِكْرَهَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالضَّمِيرُ فِي آتَيْتَنا ولَنَكُونَنَّ لَهُمَا وَلِكُلِّ مَنْ تَنَاسَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا فَلَمَّا آتاهُما مَا طَلَبَا مِنَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ السَّوِيِّ جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أَيْ جَعَلَ أَوْلَادَهُمَا لَهُ شُرَكَاءَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ وَكَذَلِكَ فِيمَا آتَاهُمَا أَيْ آتَى أَوْلَادَهُمَا وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ حَيْثُ جَمَعَ الضَّمِيرَ، وَآدَمُ وَحَوَّاءُ بَرِيئَانِ مِنَ الشِّرْكِ وَمَعْنَى إِشْرَاكِهِمْ فِيمَا آتَاهُمُ اللَّهُ بِتَسْمِيَةِ أَوْلَادِهِمْ بِعَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدِ مَنَافٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ انْتَهَى، وَفِي كَلَامِهِ تَفْكِيكٌ لِلْكَلَامِ عَنْ سِيَاقِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ جَعَلَ الْكَلَامَ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ جَعَلَ الشِّرْكَ تَسْمِيَتَهُمَا الْوَلَدَ الثَّالِثَ عبد الحرث إِذْ كَانَ قَدْ مَاتَ لَهُمَا وَلَدَانِ قَبْلَهُ كَانَا سَمَّيَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدَ اللَّهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِمَا إِبْلِيسُ فِي أَنْ يُسَمِّيَا هذا الثالث عبد الحرث فَسَمَّيَاهُ بِهِ حِرْصًا عَلَى حَيَاتِهِ فَالشِّرْكُ الَّذِي جَعَلَا لِلَّهِ هُوَ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي يُشْرِكُونَ عَائِدًا عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ لِأَنَّهُ مُدَبِّرٌ مَعَهُمَا تَسْمِيَةَ الْوَلَدِ عَبْدَ الحرث، وَقِيلَ جَعَلا أَيْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا يَعْنِي حَوَّاءَ وَإِمَّا مِنْ جَعْلِ الْخِطَابِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ بِالنَّفْسِ وَزَوْجِهَا آدَمَ وَحَوَّاءَ أَوْ جَعَلَ الْخِطَابَ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ أَوْ لِقُرَيْشٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيَتَّسِقُ الْكَلَامُ اتِّسَاقًا حَسَنًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَفْكِيكٍ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالطَّبَرِيُّ: ثُمَّ أَخْبَرَ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي قَوْلِهِ فِيمَا آتَاهُمَا وَقَوْلُهُ فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ يُرَادُ بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ انْتَهَى، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى إِبْلِيسَ فَقَوْلُهُ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ وَكَذَا يَبْعُدُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى الْوَلَدِ الصَّالِحِ وَفُسِّرَ الشِّرْكُ بِالنَّصِيبِ مِنَ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا وَكَانَا قَبْلَهُ يَأْكُلَانِ وَيَشْرَبَانِ وَحْدَهُمَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يَعْنِي الْكُفَّارَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبَّانُ بْنُ ثَعْلَبٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ شِرْكًا عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَا شِرْكٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقُ الشِّرْكُ عَلَى الشَّرِيكِ كَقَوْلِهِ: زَيْدٌ عَدْلٌ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ أَحْدَثَا لِلَّهِ إِشْرَاكًا فِي الْوَلَدِ انْتَهَى، وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَابْنُ كَثِيرٍ وأبو عمر وشركاء عَلَى الْجَمْعِ وَيَبْعُدُ تَوْجِيهُ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَتَظْهَرُ بَاقِي الْأَقْوَالِ عَلَيْهَا، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً أَشْرَكَا فِيهِ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ عَمَّا تُشْرِكُونَ بِالتَّاءِ الْتِفَاتًا مِنَ الْغَيْبَةِ لِلْخِطَابِ وَكَانَ الضَّمِيرُ بِالْوَاوِ وَانْتِقَالًا مِنَ التَّثْنِيَةِ لِلْجَمْعِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ عَلَى مَنْ يَعُودُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>