لَا يَقْتَدُوا بِكُمْ، وَقَرَأَ نَافِعٌ فِيهِمَا لَا يَتْبَعُوكُمْ مُخَفَّفًا مِنْ تَبِعَ وَمَعْنَاهُ لَا يَتْبَعُوا آثَارَكُمْ وَعُطِفَتِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْفِعْلِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ أَمْ صَمَتُّمْ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَفِي قَوْلِهِ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ إِذْ التَّقْدِيرُ أَمْ صَمَتُّمْ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَوَاءٌ عَلَيْكَ النَّفْرُ أَمْ بِتَّ لَيْلَةً ... بِأَهْلِ الْقِبَابِ مِنْ نُمَيْرِ بْنِ عَامِرِ
انْتَهَى. وَلَيْسَ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ عَلَى الْفِعْلِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَأَمَّا الْبَيْتُ فَلَيْسَ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ عَلَى الْفِعْلِ بَلْ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى الِاسْمِ الْمُقَدَّرِ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ إِذْ أَصْلُ التَّرْكِيبِ سَوَاءٌ عَلَيْكَ أَنَفَرْتَ أَمْ بِتَّ لَيْلَةً فَأَوْقَعَ النَّفْرَ مَوْقِعَ أَنَفَرْتَ وَكَانَتِ الْجُمْلَةُ الثانية اسمية لمراعاة رؤوس الْآيِ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يُشْعِرُ بِالْحُدُوثِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ يُشْعِرُ بِالثُّبُوتِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَكَانُوا إِذَا دَهَمَهُمْ أَمْرٌ مُعْضِلٌ فَزِعُوا إِلَى أَصْنَامِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ بَقُوا سَاكِتِينَ فَقِيلَ لا فرق بين أن تُحْدِثُوا لَهُمْ دُعَاءً وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرُّوا عَلَى صَمْتِكُمْ فَتَبْقُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَادَةِ صَمْتِكُمْ وَهِيَ الْحَالَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ.
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِمَا قَبْلَهَا فِي انْتِفَاءِ كَوْنِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ قَادِرَةً عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ أَيِ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ وَتُسَمُّونَهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَدَهَا وَأَوْجَدَكُمْ هُمْ عِبَادٌ وَسَمَّى الْأَصْنَامَ عِبَادًا وَإِنْ كَانَتْ جَمَادَاتٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً وأَمْثالُكُمْ. قَالَ الْحَسَنُ فِي كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لِلَّهِ، وَقَالَ التَّبْرِيزِيُّ فِي كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ خُزَاعَةَ كَانَتْ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ فَأَعْلَمَهُمْ تَعَالَى أَنَّهُمْ عِبَادٌ أَمْثَالُهُمْ لَا آلِهَةٌ انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا جَاءَ الْإِخْبَارُ إِخْبَارًا عَنِ الْعُقَلَاءِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عِبادٌ أَمْثالُكُمْ اسْتِهْزَاءٌ بِهِمْ أَيْ قُصَارَى أَمْرِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْيَاءَ عُقَلَاءَ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ لَا تَفَاضُلَ بَيْنَكُمْ ثُمَّ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونُوا عِبَادًا أَمْثَالَكُمْ فَقَالَ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها انْتَهَى؟ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَدْعُوِّينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنَّهُمْ عِبَادٌ أَمْثَالُ الدَّاعِينَ فَلَا يُقَالُ فِي الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونُوا عِبَادًا أَمْثَالَكُمْ فَقَالَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ لَيْسَ إِبْطَالًا لِقَوْلِهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ ثَابِتَةٌ إِمَّا فِي أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute