للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ مَقْهُورُونَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَحْقِيرٌ لِشَأْنِ الْأَصْنَامِ وَأَنَّهُمْ دُونَكُمْ فِي انْتِفَاءِ الْآلَاتِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ ثُبُوتِ كَوْنِهِمْ أَمْثَالَكُمْ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يَدُلُّ إِنْكَارُ هَذِهِ الْآلَاتِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمِثْلِيَّةِ فِيمَا ذُكِرَ وَأَيْضًا فَالْأَبْطَالُ لَا يُتَصَوَّرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ «١» .

وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ إِنْ خَفِيفَةً وَعِبَادًا أَمْثَالَكُمْ بِنَصْبِ الدَّالِ وَاللَّامِ وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى تَخْرِيجُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَلَى أَنَّ إِنْ هِيَ النَّافِيَةُ أَعُمِلَتْ عَمَلَ مَا الْحِجَازِيَّةِ فَرَفَعَتِ الِاسْمَ وَنَصَبَتِ الْخَبَرَ فَعِبَادًا أَمْثَالَكُمْ خَبَرٌ مَنْصُوبٌ قَالُوا: وَالْمَعْنَى بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيرُ شَأْنِ الْأَصْنَامِ وَنَفْيُ مُمَاثَلَتِهِمْ لِلْبَشَرِ بَلْ هُمْ أَقَلُّ وَأَحْقَرُ إِذْ هِيَ جَمَادَاتٌ لَا تَفْهَمُ وَلَا تَعْقِلُ وَإِعْمَالُ إِنَّ إِعْمَالَ مَا الْحِجَازِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ أَجَازَ ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ وَأَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ وَمِنَ الْبَصْرِيِّينَ ابْنُ السِّرَاجِ وَالْفَارِسِيِّ وَابْنُ جِنِّيٍّ وَمَنَعَ مِنْ إِعْمَالِهِ الْفَرَّاءُ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ إِعْمَالَهَا لُغَةٌ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي النَّثْرِ وَالنَّظْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُشْبَعًا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَقَالَ النَّحَّاسُ: هَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِهَا لثلاث جِهَاتٍ إِحْدَاهَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلسَّوَادِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ سِيبَوَيْهِ يَخْتَارُ الرَّفْعَ فِي خَبَرِ إِنَّ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى مَا فَيَقُولُ: إِنْ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ لِأَنَّ عَمَلَ مَا ضَعِيفٌ وَإِنْ بِمَعْنَاهَا فَهِيَ أَضْعَفُ مِنْهَا وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْكِسَائِيَّ رَأَى أَنَّهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَكُونُ بِمَعْنَى مَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا إِيجَابٌ انْتَهَى وَكَلَامُ النَّحَّاسِ هَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ مَرْوِيَّةٌ عَنْ تَابِعِيٍّ جَلِيلٍ وَلَهَا وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا الثَّلَاثُ جِهَاتٍ الَّتِي ذَكَرَهَا فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَمَّا كَوْنُهَا مُخَالِفَةً لِلسَّوَادِ فَهُوَ خِلَافٌ يَسِيرٌ جِدًّا لَا يَضُرُّ وَلَعَلَّهُ كُتِبَ الْمَنْصُوبُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُنَوَّنِ الْمَنْصُوبِ بِغَيْرِ أَلْفٍ فَلَا تَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلسَّوَادِ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفَهْمُ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فِي إِنْ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ فَالنَّقْلُ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ حَكَى إِعْمَالَهَا وَلَيْسَ بَعْدَهَا إِيجَابٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا التَّخْرِيجَ الَّذِي خَرَّجُوهُ مِنْ أَنَّ إِنْ لِلنَّفْيِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ كَوْنِ الْأَصْنَامِ عِبَادًا أَمْثَالَ عَابِدِيهَا وَهَذَا التَّخْرِيجُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ فَيُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ مُطَابَقَةِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ الْآخَرَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ خُرِّجَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ عَلَى وَجْهٌ غَيْرُ مَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّ أَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَأَعْمَلَهَا عَمَلَ الْمُشَدَّدَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ إِنِ الْمُخَفَّفَةَ يَجُوزُ إِعْمَالُهَا عَمَلَ الْمُشَدَّدَةِ في غير


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>