للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبَاهُ إِذْ كَانَ مُبْغِضًا لِأَبِيهِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ- إِلَى قَوْلِهِ- فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، ثُمَّ قَالَ: خَفِّضْ عَلَيْكَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكَ وَدَعَا لَهُ فِي حِكَايَةٍ فِيهَا طُولٌ ظَهَرَ فِيهَا مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَحَوَالَةِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْقَدْرِ مَا صَيَّرَ عِصَامًا أَشَدَّ النَّاسِ حُبًّا لَهُ وَلِأَبِيهِ

وَذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِهِ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَأَخْذٌ بِهَا، ومُبْصِرُونَ هُنَا مِنَ الْبَصِيرَةِ لَا مِنَ الْبَصَرِ، وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الشَّيْطَانِ تَأَمَّلُوا وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إِذَا طَافَ مِنَ الشَّيْطَانِ طَائِفٌ تَأَمَّلُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا، وَقِرَاءَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّفْسِيرِ لَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لِمُخَالَفَتِهِ سَوَادَ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ.

وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ. الضَّمِيرُ فِي وَإِخْوانُهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْجَاهِلِينَ أَوْ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَهُمْ غَيْرُ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَدُلُّ عَلَى مُقَابِلِهِ فَيُضْمَرُ ذَلِكَ الْمُقَابِلُ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ وَعَنَى بِالْإِخْوَانِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الشَّيَاطِينَ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالشَّيَاطِينُ الَّذِينَ هُمْ إِخْوَانُ الْجَاهِلِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ يَمُدُّونَ الجاهلين أو غير المتقين في الغيّ قالوا وفي يَمُدُّونَهُمْ ضَمِيرُ الْإِخْوَانِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ جَارِيًا عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ وَالْمَنْصُوبُ لِلْكُفَّارِ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَا جَمِيعًا عَلَى الشَّيَاطِينِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ فِي الْغَيِّ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فِي اللَّهِ يَمُدُّونَ الشَّيَاطِينَ أَيْ بِطَاعَتِهِمْ لَهُمْ وَقَبُولِهِمْ مِنْهُمْ وَلَا يَتَرَتَّبُ هَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى أَنْ يَتَعَلَّقَ فِي الغَيِّ بِالْإِمْدَادِ لِأَنَّ الْإِنْسَ لَا يعوذون الشَّيَاطِينَ انْتَهَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ فِي الغَيِّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِقَوْلِهِ يَمُدُّونَهُمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يَمُدُّونَهُمْ بِسَبَبِ غَوَايَتِهِمْ نَحْوَ «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» أَيْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الغَيِّ حَالًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ كَائِنِينَ وَمُسْتَقِرِّينَ فِي الْغَيِّ فَيَبْقَى فِي الغَيِّ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَإِخْوانُهُمْ وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَلَوْ قُلْتَ:

مُطْعِمُكَ زَيْدٌ لَحْمًا تُرِيدُ مُطْعِمُكَ لَحْمًا زَيْدٌ فَتَفْصِلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَمَعْمُولِهِ بِالْخَبَرِ لَكَانَ فِي جَوَازِهِ نَظَرٌ لِأَنَّكَ فَصَلْتَ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ بِأَجْنَبِيٍّ لَهُمَا مَعًا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا لِأَحَدِهِمَا الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَلِفَ الضَّمِيرُ فَيَكُونُ فِي وَإِخْوانُهُمْ عَائِدٌ عَلَى الشَّيَاطِينِ الدَّالِّ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أَوْ عَلَى الشَّيْطَانِ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ نَحْوَ قَوْلِهِ:

أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ «١» الْمَعْنَى الطَّوَاغِيتُ وَيَكُونُ فِي يَمُدُّونَهُمْ عَائِدٌ على الكفار


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>