ذِكْرَ اللَّهِ هُنَاكَ رَأْفَتُهُ وَرَحْمَتُهُ وَثَوَابُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذُكِرَ اللَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذُكِرَتْ عَظَمَةُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَمَا خَوَّفَ بِهِ مَنْ عَصَاهُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فَيَفْزَعُ عَنْهَا
وَفِي الْحَدِيثِ فِي السَّبْعِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةُ ذَاتُ جِمَالٍ وَمَنْصِبٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ»
، وَمَعْنَى زادَتْهُمْ إِيماناً أَيْ يَقِينًا وَتَثْبِيتًا لِأَنَّ تَظَاهُرَ الْأَدِلَّةِ وَتَظَافُرَهَا أَقْوَى عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَأَرْسَخُ لِقَدَمِهِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَسْمَعْ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مُنَزَّلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ زَادَ إِيمَانًا إِلَى سَائِرِ مَا قَدْ آمَنَ بِهِ إِذْ لِكُلِّ حُكْمٍ تَصْدِيقٌ خَاصٌّ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ عَبَّرَ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ عَنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَأَحْكَامِهِ. وَقِيلَ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ كِنَايَةٌ عَنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ لِلْإِيمَانِ سُنَّةً وَفَرَائِضَ وَشَرَائِعَ فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَقِيلَ هَذَا فِي الظَّالِمِ يُوعَظُ فَيُقَالُ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ فَيُقْلِعُ فَيَزِيدُهُ ذَلِكَ إيمانا والظهر أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ دَاخِلٌ فِي صِلَةِ الَّذِينَ كَمَا قُلْنَا قَبْلُ، وَقِيلَ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ أَحْسَنُ تَرْتِيبٍ فَبَدَأَ بِمَقَامِ الْخَوْفِ إِمَّا خَوْفُ الْإِجْلَالِ وَالْهَيْبَةِ وَإِمَّا خَوْفُ الْعِقَابِ، ثُمَّ ثَانِيًا بِالْإِيمَانِ بِالتَّكَالِيفِ الْوَارِدَةِ، ثُمَّ ثَالِثًا بِالتَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَرُخْصِ مَا سِوَاهُ.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صِفَةً لِلَّذِينَ السَّابِقَةِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي حَيِّزِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونَ ذَلِكَ إِخْبَارًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِثَلَاثٍ الصِّفَةِ الْقَلْبِيَّةِ وَعَنْهُمْ بِالصِّفَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالصِّفَةِ الْمَالِيَّةِ وَجَمَعَ أَفْعَالَ الْقُلُوبِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ وَجَمَعَ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ لأنهما عمود أَفْعَالٍ وَأَجَازَ الْحَوْفِيُّ وَالتَّبْرِيزِيُّ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ وَأَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أي هُمُ الَّذِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلِهِ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ عَامٌّ فِي الزَّكَاةِ وَنَوَافِلِ الصَّدَقَاتِ وَصِلَاتِ الرَّحِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَبَارِّ الْمَالِيَّةِ، وَقَدْ خَصَّ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِالزَّكَاةِ لِاقْتِرَانِهَا بِالصَّلَاةِ.
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ حَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ غَيْرُ الْمُنْتَقِلِ وَالْعَامِلُ فِيهِ أَحَقَّ ذَلِكَ حَقًّا انْتَهَى، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ مِنَ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيِّ وَأَنَّهُ لَا مَجَازَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَقًّا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ أَيْ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا حَقًّا وَهُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ كَقَوْلِهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ حَقًّا أَيْ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ قَالَ: الْإِيمَانُ إيمانان فإن كانت تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute