للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِهِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ فو الله لَا أَدْرِي أَمِنْهُمْ أَنَا أَمْ لَا وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَّ حَقًّا مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ أَيْ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ وَهَذَا لِأَنَّ انْتِصَابَ حَقًّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ عَنْ تَمَامِ جُمْلَةِ الِابْتِدَاءِ بِمَكَانِ التَّأْخِيرِ عَنْهَا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لَمَّا تَقَدَّمَتْ ثَلَاثُ صِفَاتٍ قَلْبِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ وَمَالِيَّةٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فَقُوبِلَتِ الْأَعْمَالُ الْقَلْبِيَّةُ بِالدَّرَجَاتِ، وَالْبَدَنِيَّةُ بِالْغُفْرَانِ،

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى مِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مَا يَأْتِيهِ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ غَيْرَ الْوَطْءِ، فَسَأَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُخْبِرَ بِذَلِكَ أَصَلَّيْتَ مَعَنَا فَقَالَ نعم فقال له: «١» وَقُوبِلَتِ الْمَالِيَّةُ بِالرِّزْقِ بِالْكَرِيمِ

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمُقَابَلَةِ مِنْ بَدِيعِ عِلْمِ الْبَيَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُرَادَ مَرَاتِبُ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلُهَا وَدَرَجَاتُهَا عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا دَرَجَاتُ أَعْمَالِ الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يُرِيدُ بِهِ مَآكِلَ الْجَنَّةِ وَمَشَارِبَهَا وكَرِيمٌ صِفَةٌ تَقْتَضِي رَفْعَ الْمَقَامِ كَقَوْلِهِ ثَوْبٌ كِرِيمٌ وَحَسَبٌ كَرِيمٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ دَرَجَاتُ شَرَفٍ وَكَرَامَةٌ وَعُلُوُّ مَنْزِلَةٍ وَمَغْفِرَةٌ وَتَجَاوُزٌ لِسَيِّئَاتِهِمْ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَنَعِيمُ الْجَنَّةِ يَعْنِي مَنَافِعَ حَسَنَةً دَائِمَةً عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَهَذَا مَعْنَى الثَّوَابِ انْتَهَى. وَقَالَ عَطَاءٌ دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ يَرْتَقُونَهَا بِأَعْمَالِهِمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ سَبْعُونَ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حِصْنُ الْفَرَسِ الْمُضْمَرِ سَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ مَرَاتِبُ وَمَنَازِلُ فِي الْجَنَّةِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ،

وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ أهل الجنة ليتراؤون أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا يَتَرَاءَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ»

وَثَلَاثَةُ الْأَقْوَالِ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ الدَّرَجَاتُ حَقِيقَةً وَعَنْ مُجَاهِدٍ دَرَجَاتُ أَعْمَالٍ رَفِيعَةٌ.

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ اضْطَرَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَاخْتَلَفُوا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا. أَحَدُهَا أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى وَاوِ الْقَسَمِ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي وَاقِعَةٌ عَلَى ذِي الْعِلْمِ وَهُوَ اللَّهُ كَمَا وَقَعَتْ فِي قَوْلِهِ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٢» وَجَوَابُ الْقَسَمِ يُجادِلُونَكَ، وَالتَّقْدِيرُ وَاللَّهِ الَّذِي أَخْرَجَكَ من


(١) هكذا بياض بعموم الأصول التي وقفنا عليها وليحرر اه مصحح.
(٢) سورة الليل: ٩٢/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>