للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَالطَّائِفَتَانِ هُمَا كطائفة غير قُرَيْشٍ وَكَانَتْ فِيهِمَا تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُمْ وَمَعَهَا أَرْبَعُونَ رَاكِبًا فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَمْرُو بْنُ هِشَامٍ وَطَائِفَةُ الَّذِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَكَانُوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وغَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ هِيَ الْعِيرُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ذَاتَ قِتَالٍ وَإِنَّمَا هِيَ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ وَمَعْنَى إِثْبَاتِ الْحَقِّ تَثْبِيتُهُ وَإِعْلَاؤُهُ وبِكَلِماتِهِ بِآيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ فِي مُحَارَبَةِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ وَبِمَا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُزُولِهِمْ لِلنُّصْرَةِ وَبِمَا قَضَى مِنْ أَسْرِهِمْ وَقَتْلِهِمْ وَطَرْحِهِمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ وَبِمَا ظَهَرَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطْعُ الدَّابِرِ عِبَارَةٌ عَنِ الِاسْتِئْصَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ تَرْغَبُونَ فِي إِبْقَاءِ الْعَاجِلَةِ وَسَلَامَةِ الْأَحْوَالِ وَسَفْسَافِ الْأُمُورِ وَإِعْلَاءِ الْحَقِّ وَالْفَوْزِ فِي الدَّارَيْنِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ لَكُمْ ذَاتَ الشَّوْكَةِ وَأَرَاكَهُمْ عِيَانًا خَذَلَهُمْ وَنَصَرَكُمْ وَأَذَلَّهُمْ وَأَعَزَّكُمْ وَحَصَّلَ لَكُمْ مَا أَرْبَى عَلَى دَائِرَةِ الْعِيرِ وَمَا أَدْنَاهُ خَيْرٌ مِنْهُمَا، وَقَرَأَ مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ يَعِدُكُمُ بِسُكُونِ الدَّالِ لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ اللَّهُ إِحْدَى بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ إِحْدَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَحَدَ عَلَى التَّذْكِيرِ إِذْ تَأْنِيثُ الطَّائِفَةِ مَجَازٌ، وَأَدْغَمَ أَبُو عَمْرٍو الشَّوْكَةِ تَكُونُ، وَقَرَأَ مُسْلِمُ بْنُ مُحَارِبٍ بِكَلِمَتِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَحَكَاهَا ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ شَيْبَةَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَنَافِعٍ بِخِلَافٍ عَنْهُمْ وَأَطْلَقَ الْمُفْرَدَ مُرَادًا بِهِ الْجَمْعُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ كَلِمَةُ تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ كُنْ قِيلَ وَكَلِمَاتُهُ هِيَ مَا وَعَدَ نَبِيَّهُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ فَقَالَ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ «١» أَيْ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ، وَقِيلَ مَوَاعِيدُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقِيلَ كَلِمَاتُهُ الَّتِي سَبَقَتْ فِي الْأَزَلِ.

وَمَعْنَى لِيُحِقَّ الْحَقَّ لِيُظْهِرَ مَا يَجِبُ إِظْهَارُهُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ فَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ الْحَقَّ الْقُرْآنُ والْباطِلَ إِبْلِيسُ وَتَتَعَلَّقُ هَذِهِ اللَّامُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ مَا فَعَلَهُ إِلَّا لَهُمَا وَهُوَ إِثْبَاتُ الْإِسْلَامِ وَإِظْهَارُهُ وَإِبْطَالُ الْكُفْرِ وَمَحْوُهُ وَلَيْسَ هَذَا بِتَكْرِيرٍ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ تَبْيِينٌ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ وَالثَّانِي بَيَانٌ لِمَا فُعِلَ مِنِ اخْتِيَارِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ عَلَى غَيْرِهَا لَهُمْ وَنُصْرَتِهِمْ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ مَا نَصَرَهُمْ وَلَا خَذَلَ أُولَئِكَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ إِلَّا لِهَذَا الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ أَسْنَى الْمَقَاصِدِ وَتَقْدِيرُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مُتَأَخِّرًا أَحْسَنُ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَحْذُوفُ مُتَأَخِّرًا حَتَّى يُفِيدَ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وينطبق عليه


(١) سورة الدخان: ٤٤/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>