للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَافِيَةٌ وَشُبِّهَ النَّفْيُ بِالْمُوجَبِ فَدَخَلَتِ النُّونُ كَمَا دَخَلَتْ فِي لَتَضْرِبَنَّ التَّقْدِيرُ: وَاللَّهُ لَا تُصِيبَنَّ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا صِفَةٌ أَوْ جَوَابُ أَمْرٍ أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ تَكُونُ النُّونُ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْمَنْفِيِّ بِلَا وَذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهَا جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ مُوجَبَةٌ فَدَخَلَتِ النُّونُ فِي مَحَلِّهَا وَمُطِلَتِ اللَّامُ فَصَارَتْ لَا وَالْمَعْنَى لَتُصِيبَنَّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قِرَاءَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْبَاقِرِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةَ لَتُصِيبَنَّ وَفِي ذَلِكَ وَعِيدٌ لِلظَّالِمِينَ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ خَرَّجَ ابْنُ جِنِّي أَيْضًا قِرَاءَةَ الْجَمَاعَةِ لَا تُصِيبَنَ

وَكَوْنُ اللَّامِ مُطِلَتْ فَحَدَثَتْ عَنْهَا الْأَلِفُ إِشْبَاعًا لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ بَابُهُ الشِّعْرُ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ مَعَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَا تُصِيبَنَّ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ تَخْفِيفًا وَاكْتِفَاءً بِالْحَرَكَةِ كَمَا قَالُوا أَمْ وَاللَّهِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ مَا وَهِيَ أُخْتُ لَا فِي قَوْلِهِ أَمْ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَشِبْهِهِ انْتَهَى وَلَيْسَتْ لِلنَّفْيِ، وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِتْنَةً أَنْ تُصِيبَ، وَعَنِ الزُّبَيْرِ: لَتُصِيبَنَّ وَخَرَّجَ الْمُبَرِّدُ وَالْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ قِرَاءَةَ لَا تُصِيبَنَّ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَاهِيَةً.

وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَاتَّقُوا فِتْنَةً وَهُوَ خِطَابٌ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَهُ ثُمَّ ابْتُدِئَ نَهْيُ الظَّلَمَةِ خَاصَّةً عَنِ التَّعَرُّضِ لِلظُّلْمِ فَتُصِيبُهُمُ الْفِتْنَةُ خَاصَّةً وَأُخْرِجَ النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ إِسْنَادِهِ لِلْفِتْنَةِ فَهُوَ نَهْيٌ مُحَوَّلٌ كَمَا قَالُوا لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا أَيْ لَا تَكُنْ هُنَا فَيَقَعَ مِنِّي رُؤْيَتُكَ وَالْمُرَادُ هُنَا لَا يَتَعَرَّضُ الظَّالِمُ لِلْفِتْنَةِ فَتَقَعَ إِصَابَتُهَا لَهُ خَاصَّةً، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَقْدِيرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِذَا كَانَتْ نَهْيًا بَعْدَ أَمْرٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَاحْذَرُوا ذَنْبًا أَوْ عِقَابًا ثُمَّ قِيلَ لَا تَتَعَرَّضُوا لِلظُّلْمِ فَيُصِيبَ الْعِقَابُ أَوْ أَثَرُ الذَّنْبِ مَنْ ظَلَمَ مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَقَالَ الْأَخْفَشُ لَا تُصِيبَنَّ هُوَ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ انْتَهَى وَالَّذِي دَعَاهُ إِلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اسْتِبْعَادُ دُخُولِ نُونِ التَّوْكِيدِ فِي الْمَنْفِيِّ بِلَا وَاعْتِيَاضُ تَقْرِيرِهِ نَهْيًا فَعَدَلَ إِلَى جَعْلِهِ دُعَاءً فَيَصِيرُ الْمَعْنَى لَا أَصَابَتِ الْفِتْنَةُ الظَّالِمِينَ خَاصَّةً وَاسْتَلْزَمَتِ الدُّعَاءَ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِينَ فَصَارَ التَّقْدِيرُ لَا أَصَابَتْ ظَالِمًا وَلَا غَيْرَ ظَالِمٍ فَكَأَنَّهُ وَاتَّقُوا فِتْنَةً، لَا أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِأَحَدٍ، فَتُلَخَّصَ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِهِ لَا تُصِيبَنَّ أَقْوَالُ الدُّعَاءِ وَالنَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ وَجَوَابُ أَمْرٍ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ وَصِفَةٌ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ جَازَ أَنْ تَدْخُلَ النُّونُ الْمُؤَكِّدَةُ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ، (قُلْتُ) : لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمَنِّي إِذَا قُلْتَ انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحْكَ فَلِذَلِكَ جَازَ لَا تَطْرَحَنَّكَ وَلَا تُصِيبَنَّ وَلَا يَحْطِمَنَّكُمُ انْتَهَى، وَإِذَا قُلْتَ لَا تَطْرَحْكَ وَجَعَلْتَهُ جَوَابًا لِقَوْلِكَ انْزِلْ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ بَلْ نَفْيٌ مَحْضٌ جَوَابُ الْأَمْرِ نُفِيَ بِلَا وَجَزَمَهُ عَلَى الْجَوَابِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>