للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنْتُ أَظُنُّهَا إِلَّا فِيمَنْ خُوطِبَ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُصِيبَنَّ خَبَرِيَّةٌ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ فِتْنَةً أَيْ غَيْرَ مُصِيبَةٍ الظَّالِمَ خَاصَّةً إِلَّا أَنَّ دُخُولَ نُونِ التَّوْكِيدِ عَلَى الْمَنْفِيِّ بِلَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْجُمْهُورُ لَا يُجِيزُونَهُ وَيَحْمِلُونَ مَا جَاءَ مِنْهُ عَلَى الضَّرُورَةِ أَوِ النُّدُورِ وَالَّذِي نَخْتَارُهُ الْجَوَازُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ وَإِذَا كَانَ قَدْ جَاءَ لَحَاقُهَا الْفِعْلَ مَبْنِيًّا بِلَا مَعَ الْفَصْلِ نَحْوَ قَوْلِهِ:

فَلَا ذَا نَعِيمٌ يُتْرَكَنْ لِنَعِيمِهِ ... وَإِنْ قَالَ قَرِّظْنِي وَخُذْ رِشْوَةً أَبَى

وَلَا ذَا بَئِيسٌ يُتْرَكَنَّ لِبُؤْسِهِ ... فَيَنْفَعُهُ شَكْوَى إِلَيْهِ إِنِ اشْتَكَى

فَلَأَنْ يَلْحَقُهُ مَعَ غَيْرِ الْفَصْلِ أَوْلَى نَحْوُ لَا تُصِيبَنَّ وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ وَهِيَ نَهْيٌ قَالَ وَكَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَهُ صِفَةً عَلَى إِرَادَةِ الْقَوْلِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً مَقُولًا فِيهَا لَا تُصِيبَنَّ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:

حَتَّى إِذَا جنّ الظلام واختلط ... جاؤوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئْبَ قَطْ

أَيْ بِمَذْقٍ مَقُولٌ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّ فِيهِ لَوْنُ الزُّرْقَةِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الذِّئْبِ انْتَهَى. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْمُولَةٌ لِصِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْجُمْلَةَ جَوَابٌ لِلْأَمْرِ نَحْوُ قَوْلِكَ: انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحَنَّكَ أَيْ إِنْ تَنْزِلْ عَنْهَا لَا تطرحك، قَالَ: وَمِنْهُ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ «١» أَيْ إِنْ تَدْخُلُوا لَا يَحْطِمَنَّكُمْ فَدَخَلَتِ النُّونُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ انْتَهَى، وَهَذَا الْمِثَالُ بِقَوْلِهِ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ لَيْسَ نَظِيرَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ مِنَ الْمِثَالِ وَالْآيَةُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ كَمَا قُدِّرَ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ هُنَاكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ إِنْ تَتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ إِذْ ذَاكَ عَلَى الشَّرْطِ مُقْتَضَاهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَ الْفَرَّاءِ وَزَادَهُ فَسَادًا وَخَبَّطَ فِيهِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ لَا تُصِيبَنَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ أَوْ نَهْيًا بَعْدَ أَمْرٍ أَوْ صِفَةً لفتنة فَإِذَا كَانَ جَوَابًا فَالْمَعْنَى إِنْ أَصَابَتْكُمْ لَا تُصِبِ الظَّالِمِينَ مِنْكُمْ خَاصَّةً وَلَكِنَّهَا تَعُمُّكُمُ انْتَهَى تَقْرِيرُ هَذَا الْقَوْلِ فَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ الَّذِي هُوَ اتَّقُوا ثُمَّ قَدَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ دَاخِلَةً عَلَى غَيْرِ مُضَارِعِ اتَّقُوا فَقَالَ فَالْمَعْنَى إِنْ أَصَابَتْكُمْ يَعْنِي الْفِتْنَةَ وَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّرَ الْفَرَّاءُ فِي انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحَنَّكَ وَفِي قَوْلِهِ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ فَأَدْخَلَ أَدَاةَ الشَّرْطِ عَلَى مُضَارِعِ فِعْلِ الْأَمْرِ وَهَكَذَا يُقَدَّرُ مَا كَانَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُصِيبَنَّ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وقيل لا


(١) سورة النمل: ٢٧/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>