للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يسبني وقرأ أبو عمر وفيما رُوِيَ عَنْهُ إِلَّا مُكًا بِالْقَصْرِ مُنَوَّنًا فَمَنْ مَدَّ فَكَالثُّغَاءِ وَالرُّغَاءِ وَمَنْ قَصَرَ فَكَالْبُكَا فِي لُغَةِ مَنْ قَصَرَ وَالْعَذَابُ فِي قَوْلِهِ فَذُوقُوا الْعَذابَ «١» ، قِيلَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ هُوَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ غَنَائِمِهِمْ بِبَدْرٍ وَأَسْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ بَدْرٍ وَلَا بُدَّ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْكُلَّ بَعْدَ بَدْرٍ حِكَايَةٌ عَنْ مَاضٍ وَكَوْنُ عَذَابِهِمْ بِالْقَتْلِ يَوْمَ بَدْرٍ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ جُرَيْجٍ.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَنُبَيْهٌ وَمُنَبَّهٌ ابنا حجّاج وأبو البختري بْنُ هِشَامٍ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ يُطْعِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ جَزَائِرَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبْزَى: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمَ أُحُدٍ أَلْفَيْنِ مِنَ الْأَحَابِيشِ يُقَاتِلُ بِهِمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ سِوَى مَنِ اسْتَجَاشَ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِيهِمْ يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

فَجِئْنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطُهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ

ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ بَقِيَّةُ ... ثَلَاثِ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ

وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَنْفَقَ عَلَى الْأَحَابِيشِ وَغَيْرِهِمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ فِي نَفَقَةِ الْمُشْرِكِينَ الْخَارِجِينَ إِلَى بَدْرٍ كَانُوا يَنْحَرُونَ يَوْمًا عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ وَيَوْمًا تِسْعًا وَهَذَا نَحْوٌ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالِهِ لَمَّا رَجَعَ فُلُّ قُرَيْشٍ إِلَى مَكَّةَ مِنْ بَدْرٍ وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعِيرِهِ كَلَّمَ أَبْنَاءُ مَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ وَغَيْرُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ وَتُجَّارُ الْعِيرِ فِي الْإِعَانَةِ بِالْمَالِ الَّذِي سُلِّمَ لَعَلَّنَا نُدْرِكُ ثَأْرًا لِمَنْ أُصِيبَ فَفَعَلُوا فَنَزَلَتْ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حبان وَعَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ وَالْحَصِينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذكر مَنْ شَرَحَ أَحْوَالَهُمْ فِي الطَّاعَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَهِيَ صَلَاتُهُمْ شَرَحَ حَالَهُمْ فِي الطَّاعَاتِ الْمَالِيَّةِ وَهِيَ إِنْفَاقُهُمْ أَمْوَالَهُمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالظَّاهِرُ الْإِخْبَارُ عَنِ الْكُفَّارِ بِأَنَّ إِنْفَاقَهُمْ لَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَلْ سَبَبُهُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَيَنْدَرِجُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي هَذَا الْعُمُومِ وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَالسَّبَبُ خَاصًّا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَقْصِدُونَ بِنَفَقَتِهِمُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وغلبة


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٠٦ وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>