الْمَعْنَى لِأَجْلِ الْفَوَاصِلِ إِذْ لَوْ كَانَ التَّرْكِيبُ وَكُلٌّ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يَقَعْ فَاصِلَةً، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَكُلُّهُمْ مِنْ غَرْقَى الْقِبْطِ وَقَتْلَى قُرَيْشٍ كانُوا ظالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي انْتَهَى، وَلَا يَظْهَرُ تَخْصِيصُ الزَّمَخْشَرِيِّ كُلًّا بِغَرْقَى الْقِبْطِ وَقَتْلَى قُرَيْشٍ إِذِ الضَّمِيرُ فِي كَذَّبُوا وَفِي فَأَهْلَكْناهُمْ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا فَالَّذِي يَظْهَرُ عُمُومُ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُمْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قبلهم أَوْ عُمُومُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِمْ.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ.
نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ عَاهَدَهُمُ الرَّسُولُ أَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِ فَنَكَثُوا بِأَنْ أَعَانُوا مُشْرِكِي مَكَّةَ بِالسِّلَاحِ وَقَالُوا نَسِينَا وَأَخْطَأْنَا ثُمَّ عاهدهم فنكثوا مالؤوا مَعَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَانْطَلَقَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَهُمْ
قَالَ الْبَغَوِيُّ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَخْطَأَ وَوَهِمَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَإِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ قُرَيْظَةَ، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَقِيلَ: نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ عَبْدِ الدَّارِ حَكَاهُ التَّبْرِيزِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ إِيمَانٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَرُّ النَّاسِ الْكُفَّارُ وَشَرُّ الْكُفَّارِ الْمُصِرُّونَ مِنْهُمْ وَشَرُّ الْمُصِرِّينَ النَّاكِثُونَ لِلْعُهُودِ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ جَامِعُونَ لِأَنْوَاعِ الشَّرِّ الَّذِينَ عَاهَدْتَ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالَهُ الْحَوْفِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وَضَمِيرُ الْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ أَيْ عَاهَدْتَهُمْ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرَّ الدَّوَابِّ بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ: الْكُفْرُ وَالْمُوَافَاةُ عَلَيْهِ وَالْمُعَاهَدَةُ مَعَ النَّقْضِ، والَّذِينَ عَلَى هَذَا بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ فِرْقَةً أَوْ طَائِفَةً ثُمَّ أَخَذَ يَصِفُ حَالَ الْمُعَاهَدِينَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ الَّذِينَ مُبْتَدَأً وَيَكُونُ الْخَبَرُ قَوْلَهُ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأُ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ يُعَاهَدُ مِنْهُمْ أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنْ تَظْفَرْ بِهِمْ فَاصْنَعْ كَذَا أَوْ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ الْمُعَاهَدِينَ بَعْضُ الْكُفَّارِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ كَائِنِينَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مَعَ، وَقِيلَ: الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ أَخَذْتَ مِنْهُمُ الْعَهْدَ فَتَكُونُ مِنْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَقِيلَ: مِنْ زَائِدَةٌ أَيْ عَاهَدْتَهُمْ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ وَأَتَى ثُمَّ يَنْقُضُونَ بِالْمُضَارِعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ شَأْنُهُمْ نَقْضُ الْعَهْدِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَقْدِيرُهُ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ لَا يَخَافُونَ عَاقِبَةَ الْعَدُوِّ وَلَا يُبَالُونَ بِمَا فِي نَقْضِ الْعَهْدِ مِنَ الْعَارِ وَاسْتِحْقَاقِ النَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute