لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
نَزَلَتْ فِي أَسْرَى بَدْرٍ وَكَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قد اسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالِاسْتِحْيَاءِ وَعُمَرُ بِالْقَتْلِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
، وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو حَيْوَةَ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ مُعَرَّفًا وَالْمُرَادُ بِهِ فِي التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ فِي التَّنْكِيرِ إِبْهَامٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ وَكَيْفِيَّةُ هَذَا النَّفْيِ وَهُوَ هُنَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَا كَانَ لِأَصْحَابِ نَبِيٍّ أَوْ لِأَتْبَاعِ نَبِيٍّ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا وَلِذَلِكَ جَاءَ الْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَلَمْ يجىء التَّرْكِيبُ تُرِيدُ أَوْ يُرِيدُ عرض الدنيا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِاسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ وَقْتَ الْحَرْبِ وَلَا أَرَادَ عَرَضَ الدُّنْيَا قَطُّ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ مُبَاشِرِي الْحَرْبِ وَقَدْ طَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قِصَّةِ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي السِّيَرِ وَحَذَفْنَاهُ نَحْنُ لِأَنَّ فِي بَعْضِهِ مَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنَاصِبِ الرُّسُلِ.
وقرأ أبو عمر وأن تَكُونَ عَلَى تَأْنِيثِ لَفْظِ الْجَمْعِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّذْكِيرِ عَلَى الْمَعْنَى، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَالسَّبْعَةُ أَسْرى عَلَى وَزْنِ فَعْلَى وَهُوَ قِيَاسُ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ إذا كان آفة كجريج وَجَرْحَى، وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ أُسَارَى وَشُبِّهَ فَعِيلٌ بِفَعْلَانَ نَحْوَ كَسْلَانُ وَكُسَالَى كَمَا شَبَّهُوا كَسْلَانَ بِأَسِيرٍ فَقَالُوا فِيهِ جَمْعًا كَسْلَى قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَهُمَا شَاذَّانِ، وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّ أُسَارَى جَمْعُ أَسْرَى فَهُوَ جَمْعُ جَمْعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذِكْرُ الخلاف في فعلى أَهُوَ جَمْعٌ أَوِ اسْمُ جَمْعٍ وَأَنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجُمُوعِ وَمَدْلُولُ أَسْرَى وَأُسَارَى وَاحِدٌ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْأَسْرَى هُمْ غَيْرُ الموثوقين عند ما يُؤْخَذُونَ وَالْأُسَارَى هُمُ الْمُوثَقُونَ رَبْطًا، وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ، وَقَالَ الْعَرَبُ: لَا تَعْرِفُ هَذَا كِلَاهُمَا عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ حَتَّى يُثْخِنَ مُشَدَّدًا عَدَّوْهُ بِالتَّضْعِيفِ وَالْجُمْهُورُ بِالتَّخْفِيفِ وَعَدَّوْهُ بِالْهَمْزَةِ إِذْ كَانَ قَبْلَ التَّعْدِيَةِ ثَخَنَ وَمَعْنَى عَرَضَ الدُّنْيا مَا أَخَذْتُمْ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ رَجُلٍ عِشْرِينَ أُوقِيَّةً، وَفِدَاءُ الْعَبَّاسِ أَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِائَةُ أُوقِيَّةٍ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَسِتَّةُ دَنَانِيرَ، وَكَانُوا مَالُوا إِلَى الْفِدَاءِ لِيَقْوَوْا مَا يُصِيبُونَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَإِيثَارًا لِلْقَرَابَةِ وَرَجَاءَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ الْإِثْخَانُ وَالْقَتْلُ أَهْيَبُ لِلْكُفَّارِ وَأَرْفَعُ لِمَنَارِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ ذَلِكَ إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ فَلَمَّا اتَّسَعَ نِطَاقُ الْإِسْلَامِ وَعَزَّ أَهْلُهُ نَزَلَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً، وقرىء يُرِيدُونَ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ وَسُمِّيَ عَرَضًا لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute