حَدَثٌ قَلِيلُ اللُّبْثِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْآخِرَةَ بِالنَّصْبِ، وَقَرَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَمَّازٍ الْمَدَنِيُّ بِالْجَرِّ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ عَرَضَ الْآخِرَةِ، قَالَ:
وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ عَرَضِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ حُذِفَ الْعَرَضُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فِي الْإِعْرَابِ فَنُصِبَ وَمِمَّنْ قَدَّرَهُ عَرَضَ الْآخِرَةِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ عَلَى التَّقَابُلِ يَعْنِي ثَوَابَهَا انْتَهَى. وَنَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ عَلَى الْفِدَاءِ عَرَضَ الدُّنْيَا أَطْلَقَ عَلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ عَرَضًا عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ لَا أَنَّ ثَوَابَ الْآخِرَةِ زَائِلٌ فَانٍ كَعَرَضِ الدُّنْيَا فَسُمِّيَ عَرَضًا عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ وَإِنْ كَانَ لَوْلَا التَّقَابُلُ لَمْ يُسَمَّ عَرَضًا وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ أَيِ الْمُؤَدِّي إِلَى الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَكُلُّهُمْ جَعَلَهُ كَقَوْلِهِ:
وَنَارٍ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَارًا.
وَيَعْنُونَ فِي حَذْفِ الْمُضَافِ فَقَطْ وَإِبْقَاءِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ على جرّه لأن جرّه مِثْلِ وَنَارٍ جَائِزٌ فَصِيحٌ وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ الْمَجْرُورِ وَحَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ فُصِلَ بِلَا نَحْوَ مَا مِثْلُ زَيْدٍ وَلَا أَخِيهِ يَقُولَانِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْمَحْذُوفُ مِثْلَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى وَأَمَّا إِذَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ لَا كَهَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ شَاذٌّ قَلِيلٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ وَيَجْعَلُ الْغَلَبَةَ لَهُمْ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ قَتْلًا وَأَسْرًا حَكِيمٌ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُ سَيُحِلُّ لَكُمُ الْغَنَائِمَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا تَعَجَّلْتُمْ مِنْهَا وَمِنَ الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ تُؤْمَرُوا بِذَلِكَ عَذابٌ عَظِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ: لَوْ سَبَقَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ مَنْ أَتَى ذَنْبًا عَلَى جَهَالَةٍ لَعُوقِبْتُمْ،
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنُ إِسْحَاقَ: سَبَقَ أَنْ لَا يُعَذَّبَ إِلَّا بَعْدَ النَّهْيِ وَلَمْ يَكُنْ نَهَاهُمْ
، وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ لَوْلَا مَا سَبَقَ لِأَهْلِ بَدْرٍ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُهُمْ لَعَذَّبَهُمْ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْلَا أَنَّ الْقُرْآنَ اقْتَضَى غُفْرَانَ الصَّغَائِرِ لَعَذَّبَهُمْ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْكِتَابُ السَّابِقُ عَفْوُهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الذَّنْبِ مغينا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ وَالرَّسُولُ فِيهِمْ، وَقِيلَ: مَا كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُضِلُّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ، وَقِيلَ: سَبَقَ أَنَّهُ سَيُحِلُّ لَهُمُ الْغَنَائِمَ وَالْفِدَاءَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ، وَقِيلَ: سَبَقَ أَنْ يَغْفِرَ الصَّغَائِرَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ لَعَذَّبَكُمْ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْكِتَابُ السَّابِقُ هُوَ الْقُرْآنُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَآمَنْتُمْ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute