للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِقْدَارِ الَّذِي إِذَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ دَخَلَ بِهِ فِي حَدِّ الْغِنَى وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ. فَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ دُونَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: حَتَّى يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الذَّهَبِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: حَتَّى تَمْلِكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ عِدْلَهَا مِنَ الذَّهَبِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ

وَعَبْدِ اللَّهِ وَالشَّعْبِيِّ. قَالَ مَالِكٌ: حَتَّى تَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِدْلَهَا مِنْ عرض أو غره فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَأَثَاثٍ وَفَرْشٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. فَلَوْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَنِيٌّ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إِلَيْهِ أَبُوهُ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَقْتَ الدَّفْعِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يُجْزِئُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْزِئُهُ.

وَالْعَامِلُ هُوَ الَّذِي يَسْتَنِيبُهُ الْإِمَامُ في السعي في جمع الصَّدَقَاتِ، وَكُلُّ مَنْ يَصْرِفُ مِمَّنْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ مِنَ الْعَامِلِينَ، وَيُسَمَّى جَابِيَ الصَّدَقَةَ وَالسَّاعِيَ قَالَ:

إِنَّ السُّعَاةَ عَصَوْكَ حِينَ بَعَثْتَهُمْ ... لَمْ يَفْعَلُوا مِمَّا أَمَرْتَ فَتِيلًا

وَقَالَ:

سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَيِّدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ

أَرَادَ بِالْعِقَالِ هُنَا زَكَاةَ السَّنَةِ، وَتَعَدَّى بِعَلَى وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا، لِأَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ. الْمُشْعِرِ بِالْوِلَايَةِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ قَدْرَ سَعْيِهِ، وَمُؤْنَتَهُ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَوْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ:

يَتِمُّ لَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَنْصِبَاءِ. وَقِيلَ: مِنْ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ الثَّمَنُ عَلَى قَسْمِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَدَاوُدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْهُ: يُعْطَوْنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمَامِ، هَلْ لَهُ حق في الصدقات؟ فهمنهم مَنْ قَالَ: هُوَ الْعَامِلَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَخْذَهَا مُفَوَّضٌ لِلْإِمَامِ وَمَنِ اسْتَنَابَهُ، فَلَوْ فَرَّقَهَا الْمُزَكِّي بِنَفْسِهِ دُونَ إِذْنِ الْإِمَامِ أَخَذَهَا مِنْهُ ثَانِيًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَيَأْخُذَ عَمَالَتَهُ مِنْهَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا بَأْسَ لَهُمْ بِالْعَمَالَةِ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَقِيلَ: إِنْ عَمِلَ أُعْطِيهَا مِنَ الْخُمُسِ.

وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ أَشْرَافُ الْعَرَبِ مُسْلِمُونَ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، أَعْطَاهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>