للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَالْمُنَافِقِينَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ إِذَا تَعَاطَوْا أَسْبَابَهَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: جَاهِدْهُمْ بِالْيَدِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِاللِّسَانِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَبِالْقَلْبِ، وَالِاكْفِرَارِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَغْلِظْ عَلَيْهِمْ فِي الْجِهَادَيْنِ. وَالْغِلَظُ ضِدُّ الرِّقَّةِ، وَالْمُرَادُ خُشُونَةُ الْكَلَامِ وَتَعْجِيلُ الِانْتِقَامِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ مَنْ وَقَفَ مِنْهُ عَلَى فَسَادٍ فِي الْعَقَائِدِ، فَهَذَا حُكْمُهُ يُجَاهَدُ بِالْحُجَّةِ، وَيُسْتَعْمَلُ مَعَهُ الْغِلَظُ مَا أَمْكَنَ.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقِيلَ: هُوَ حَلِفُ الْجُلَاسِ، وَتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ مَعَ عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ. وَقِيلَ:

حَلَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ أَنَّهُ مَا قَالَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ «١» الْآيَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:

حَلِفُهُمْ حِينَ نَقَلَ حُذَيْفَةُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُمْ أَصْحَابَهُ وَإِيَّاهُ فِي خَلْوَتِهِمْ، وَأَمَّا وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا فَنَزَلَتْ قِيلَ: فِي ابْنِ أُبَيٍّ فِي قَوْلِهِ: لَيُخْرِجَنَّ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ:

بِقَتْلِ الرَّسُولِ، وَالَّذِي هَمَّ بِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ مِنْ قُرَيْشٍ، رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ هَمُّوا بِقَتْلِهِ وَتَوَافَقُوا عَلَى أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْ راحلته إلى الوادي إذ تَسَنَّمَ الْعَقَبَةَ، فَأَخَذَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِخِطَامِ رَاحِلَتَهُ يَقُودُهَا، وَحُذَيْفَةُ خَلْفَهَا يَسُوقُهَا، فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ حُذَيْفَةُ بِوَقْعِ أَخْفَافِ الْإِبِلِ وَقَعْقَعَةِ السِّلَاحِ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا قَوْمٌ مُتَلَثِّمُونَ فَقَالَ: إِلَيْكُمْ يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَهَرَبُوا، وَكَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَالْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَأَبُو عَامِرِ بْنُ نُعْمَانَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَقِيلَ: هَمُّهُمْ بِمَا لَمْ يَنَالُوا، هُوَ أَنْ يُتَوِّجُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ إِذَا رَجَعُوا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ يُبَاهُونَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنَالُوا مَا هَمُّوا بِهِ، فَنَزَلَتْ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَقَالَ: إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ فَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ شَيْطَانٌ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ طَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ فَدَعَاهُ فَقَالَ: عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟

فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا قَالُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَكَلِمَةُ الْكُفْرِ

قَوْلُ ابْنِ أُبَيٍّ لَمَّا شَاوَرَ الْجَهْجَاهَ الْغِفَارِيَّ وَسِنَانَ بْنَ وَبَرَةَ الجهني، وقد


(١) سورة المنافقون: ٦٣/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>