للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسَعَ أَحَدُهُمَا رِجْلَ الْآخَرِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، فَصَاحَ الْجَهْجَاهُ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَصَاحَ سِنَانٌ:

يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَثَارَ النَّاسُ، وَهَدَّأَهُمُ الرَّسُولُ فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إِلَّا قَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ

، أَوِ الِاسْتِهْزَاءُ، أَوْ قَوْلُ الْجُلَاسِ الْمُتَقَدِّمُ، أَوْ قَوْلُهُمْ: نَعْقِدُ التَّاجَ، أَوْ قَوْلُهُمْ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ، أَوِ الْقَوْلُ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ أَقْوَالٌ. وَكَفَرُوا: أَيْ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، أَيْ إِظْهَارِ إِسْلَامِهِمْ. وَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَجَاوَزْ أَلْسِنَتَهُمْ. وَالْهَمُّ دُونَ الْعَزْمِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْهَامِّ وَالْمَهْمُومِ بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ هَمُّ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْجُلَاسِ بِقَتْلِ نَاقِلِ حَدِيثِ الْجُلَاسِ إِلَى الرَّسُولِ، وَفِي تَعْيِينِ اسْمِ النَّاقِلِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ. وَقِيلَ: حُذَيْفَةُ. وَقِيلَ:

ابْنُ امْرَأَةِ الْجُلَاسِ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ. وَقِيلَ: اسْمُهُ مُصْعَبٌ. وَقِيلَ: هَمُّوا بِالرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَشْيَاءَ لَمْ يَنَالُوهَا «وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا «١» وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا «٢» وَكَانَ حَقُّ الْغَنِيِّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَشْكُرَ لا أين يَنْقِمَ، جَعَلُوا الْغِنَى سَبَبًا يَنْتَقِمُ بِهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

وَكَانَ الرَّسُولُ قَدْ أَعْطَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ دِيَةً كَانَتْ قَدْ تَغَلَّظَتْ لَهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ لِلْجُلَاسِ.

وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي ضَنْكٍ مِنَ الْعَيْشِ، لَا يركبون الخيل. ولا يجوزون الْغَنِيمَةَ، فَأُثِرُوا وَقَالَ الرَّسُولُ لِلْأَنْصَارِ:

«وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي»

وَقِيلَ: كَانَ عَلَى الْجُلَاسِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَقَضَاهُ الرَّسُولُ، وَحَصَلَ لَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ مَالٌ كَثِيرٌ.

وَقَوْلُهُ: وَمَا نَقَمُوا الْجُمْلَةُ كَلَامٌ أُجْرِيَ مَجْرَى التَّهَكُّمِ بِهِ، كَمَا تَقُولُ:

مَا لِي عِنْدَكَ ذَنْبٌ إِلَّا أَنِّي أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ، فَإِنَّ فِعْلَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا لِئَامًا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا ... أَنَّهُم يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا

وَأَنَّهُمْ سَادَةُ الْمُلُوكِ وَلَا ... يَصْلُحُ إِلَّا عَلَيْهِمُ الْعَرَبُ

وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ نَظِيرُ الْبَيْتِ السَّابِقِ:

وَلَا عَيْبَ فِينَا غَيْرَ عِرْقٍ لِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ وَأَنَّا لَا نَحُطُّ عَلَى النَّمْلِ


(١) سورة المائدة: ٥/ ٥٩.
(٢) سورة البروج: ٨٥/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>