للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَائِدَةٌ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ بَدَلًا مما قَبْلَهُ، وَأُشِيرَ بِهِ إِلَى الِاثْنَيْنِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: كُرِّرَتِ الْفَاءُ الثَّانِيَةُ لِلتَّوْكِيدِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ الْأُولَى زَائِدَةً، وَيَكُونُ أَصْلُ التَّرْكِيبِ فَبِذَلِكَ لِيَفْرَحُوا، وَفِي الْقَوْلِ قَبْلَهُ يَكُونُ أَصْلُ التَّرْكِيبِ بِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْفَرَحِ هُنَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ «١» لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ، فَالْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا الْفَرَحُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، وَالْمَنْهِيُّ هُنَاكَ الْفَرَحُ بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ لِرِئَاسَةِ الدُّنْيَا وَإِرَادَةِ الْعُلُوِّ بِهَا والفساد والأشر، وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا «٢» وَقَبْلَهُ: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ «٣» وَقَوْلُهُ:

لَفَرِحٌ فَخُورٌ «٤» جَاءَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الذَّمِّ لِفَرَحِهِ بِإِذَاقَةِ النَّعْمَاءِ بَعْدَ الضَّرَّاءِ، وَيَأْسِهِ وَكُفْرَانِهِ لِلنَّعْمَاءِ إِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ، وَهَذِهِ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْآخِرَةِ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ الْفَرَحُ كَانَ مَذْمُومًا، وَإِذَا قُيِّدَ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا كَمَا قَالَ: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «٥» لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ، إِذْ جَاءَ مُقَيَّدًا فِي الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً «٦» وَإِنَّمَا يُمْدَحُ الْفَرَحَ وَيُذَمُّ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهِ، فَإِذَا كَانَ بِنَيْلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ كَانَ مَحْمُودًا، وَإِذَا كَانَ بِنَيْلِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا كَانَ مَذْمُومًا.

وَقَرَأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأُبَيٌّ، وَأَنَسٌ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَابْنُ هُرْمُزَ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، وَالسُّلَمِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْجَحْدَرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَعَمْرُو بْنُ قَائِدٍ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَنْصَارِيُّ:

فَلْتَفْرَحُوا بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَرُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَقَالَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ يَعْقُوبَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ الْقَعْقَاعِ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْحَسَنُ: عَلَى مَا زَعَمَ هَارُونُ.

وَرُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَفْرَحُوا وَتَجْمَعُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا عَلَى الْمُخَاطَبَةِ

، وَهِيَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ كَثِيرَةٍ، وَعَنْ أَكْثَرِهِمْ خِلَافٌ انْتَهَى. وَالْجُمْهُورُ بِالْيَاءِ عَلَى أَمْرِ الْغَائِبِ.

وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ قَرَأَ فَلْتَفْرَحُوا بِالتَّاءِ لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، إِنَّمَا قِرَاءَتُهُ فِي مَشْهُورِ السَّبْعَةِ بِالْيَاءِ أَمْرًا لِلْغَائِبِ، لَكِنَّهُ قَرَأَ تَجْمَعُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: فَبِذَلِكَ فَافْرَحُوا، وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ فِي أَمْرِ الْمُخَاطَبِ. وَأَمَّا فَلْيَفْرَحُوا بِالْيَاءِ فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ.

وَفِي الحديث: «لتأخذوا


(١) سورة القصص: ٢٨/ ٧٦.
(٢) سورة القصص: ٢٨/ ٧٧.
(٣) سورة القصص: ٢٨/ ٧٦.
(٤) سورة هود: ١١/ ١٠.
(٥) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٠.
(٦) سورة الأنعام: ٦/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>