للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَصَافَّكُمْ»

وَقَرَأَ أَبُو التَّيَّاحِ وَالْحَسَنُ: فَلْيَفْرَحُوا بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أُشِيرَ بِهِ إِلَى وَاحِدٍ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ مُوَحَّدًا فِي قَوْلِهِ: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ، فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، عَلَى أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ عُبِّرَ عَنْهُ بِاسْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، وَلِذَلِكَ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ مُفْرَدًا. وَقَوْلُهُ: مِمَّا يَجْمَعُونَ يَعْنِي مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ: مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هِيَ أَنَّهُ لَمَّا ذكر تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ «١» وَكَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كِتَابَ اللَّهِ الْمُشْتَمِلَ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، بَيَّنَ فَسَادَ شَرَائِعِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ فِي ذَلِكَ إِلَى وَحْيٍ. وَأَرَأَيْتُمْ هُنَا بِمَعْنَى أَخْبِرُونِي. وَجَوَّزُوا فِي مَا أَنْزَلَ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً مَفْعُولًا أَوَّلَ لِأَرَأَيْتُمْ، وَالْعَائِدُ عَلَيْهَا مَحْذُوفٌ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي قَوْلُهُ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ، وَالْعَائِدُ عَلَى المبتدأ من الخير مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فِيهِ، وَكُرِّرَ قُلْ قَبْلَ الْخَبَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ. وَإِنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً مَنْصُوبَةً بِأَنْزَلَ قَالَهُ: الْحَوْفِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ. وَقِيلَ: مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالضَّمِيرُ مِنَ الْخَبَرِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فِيهِ أَوْ بِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِحَذْفِ هَذَا الْعَائِدِ. وَجَعْلُ مَا مَوْصُولَةً هُوَ الْوَجْهُ، لِأَنَّ فِيهِ إِبْقَاءَ. أَرَأَيْتَ عَلَى بَابِهَا مِنْ كَوْنِهَا تَتَعَدَّى إِلَى الْأَوَّلِ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ، بِخِلَافِ جَعْلِهَا اسْتِفْهَامِيَّةً، فَإِنَّ أَرَأَيْتَ إِذْ ذَاكَ تَكُونُ مُعَلَّقَةً، وَيَكُونُ مَا قَدْ سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْ مُتَّصِلَةٌ وَالْمَعْنَى: أَخْبِرُونِي آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، فَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِأِذْنِهِ أَمْ تَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَيْهِ؟ فَنَبَّهَ بِتَوْقِيفِهِمْ عَلَى أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمُ ادِّعَاءُ إِذْنِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ افْتِرَاؤُهُمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ، وَأَمْ مُنْقَطِعَةً بِمَعْنَى بَلْ، أَتَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ تَقْرِيرًا لِلِافْتِرَاءِ انْتَهَى، وَأَنْزَلَ هُنَا قِيلَ مَعْنَاهُ: خَلَقَ كَقَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ «٢» وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «٣» . وَقِيلَ: أَنْزَلَ عَلَى بَابِهَا وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: مِنْ سَبَبِ رِزْقٍ وَهُوَ الْمَطَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَنْزَلَ لَفْظَةٌ فِيهَا تَجَوُّزٌ، وَإِنْزَالُ الرِّزْقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ضمن إنزال المطر بالمئال، وَنُزُولِ الْأَمْرِ بِهِ الَّذِي هُوَ ظُهُورُ الْأَثَرِ فِي الْمَخْلُوقِ مِنْهُ الْمُخْتَرَعِ وَالْمَجْعُولِ حَرَامًا وَحَلَالًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَا حَكَمُوا بِهِ من تحريم البحيرة


(١) سورة يونس: ٧/ ٥٧. [.....]
(٢) سورة الحديد: ٥٧/ ٢٥.
(٣) سورة الزمر: ٣٩/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>