للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْذُوفٍ. وَيَجُوزُ عِنْدِي فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً مُبْتَدَأَةً، وَجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِ خَبَرٌ، إِذِ التَّقْدِيرُ: أَهْوَ السِّحْرُ، أَوْ آلسِّحْرُ هُوَ، فَهُوَ الرَّابِطُ كَمَا تَقُولُ: الَّذِي جَاءَكَ أَزْيَدٌ هُوَ؟ وَعَلَى هَمْزَةِ الْوَصْلِ جَازَ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً مُبْتَدَأَةً، وَالْخَبَرُ السِّحْرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْأَعْمَشِ: سِحْرٌ. وَقِرَاءَةُ أُبَيٍّ مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ. وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ فِي هَذَا الْوَجْهِ اسْتِفْهَامِيَّةً فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاشْتِغَالِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيرِ وَالتَّعْلِيلِ لِمَا جَاءُوا بِهِ، وَالسِّحْرُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ السِّحْرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالتَّعْرِيفُ هُنَا فِي السِّحْرِ أَرْتَبُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مُنَكَّرًا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ، فَجَاءَ هُنَا بِلَامِ الْعَهْدِ كَمَا يُقَالُ: أَوَّلَ الرِّسَالَةِ سَلَامٌ عَلَيْكَ، وَفِي آخِرِهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ انْتَهَى. وَهَذَا أَخَذَهُ مِنَ الْفَرَّاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّمَا قَالَ السِّحْرُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ أُعِيدَتْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ مَنْ رَجُلٌ لَمْ يَقَعْ فِي وَهْمِهِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عن الرجل الذي ذكره له انتهى. وما ذكره هُنَا فِي السِّحْرِ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ تَقَدُّمِ النَّكِرَةِ، ثُمَّ أُخْبِرَ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ شَرْطَ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ هُوَ النَّكِرَةُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَا يَكُونَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «١» وَتَقُولُ:

زَارَنِي رَجُلٌ فَأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ، وَلَمَّا كَانَ إِيَّاهُ جَازَ أَنْ يُأْتَى بِالضَّمِيرِ بَدَلَهُ فَتَقُولُ: فَأَكْرَمْتُهُ.

وَالسِّحْرُ هُنَا لَيْسَ هُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ، لِأَنَّ الَّذِي أَخْبَرُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ سِحْرٌ هُوَ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ مُعْجِزَةِ الْعَصَا، وَالسِّحْرُ الَّذِي فِي قَوْلِ مُوسَى إِنَّمَا هُوَ سِحْرُهُمُ الَّذِي جاؤوا بِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَدْلُولَانِ وَقَالُوا هُمْ عَنْ مُعْجِزَةِ مُوسَى وَقَالَ مُوسَى عَمَّا جاؤوا بِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُأْتَى هُنَا بِالضَّمِيرِ بَدَلَ السِّحْرِ، فَيَكُونُ عَائِدًا على قولهم سحر. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمَلَ بَعْدَهُ مِنْ كَلَامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَسَيُبْطِلُهُ يَمْحَقُهُ، بِحَيْثُ يَذْهَبُ أَوْ يُظْهِرُ بُطْلَانَهُ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الشَّعْوَذَةِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْجُمَلُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَعْنَى بِكَلِمَاتِهِ، بِقَضَايَاهُ السَّابِقَةِ فِي وَعْدِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ: بِكَلِمَاتِهِ بِقَوْلِهِ: لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى «٢» وَقِيلَ بكلماته بحججه وبراهينه وقرىء بِكَلِمَتِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ أَيْ بِأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ.

فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ. وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ. فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَنَجِّنا


(١) سورة المزمل: ٧٣/ ١٥- ١٦.
(٢) سورة طه: ٢٠/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>