للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: تَبِعَ وَاتَّبَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَأَتْبَعَهُمْ لَحِقَهُمْ، يُقَالُ:

تَبِعَهُ حَتَّى اتَّبَعَهُ. وَفِي اللَّوَامِحِ: تَبِعَهُ إِذَا مَشَى خَلْفَهُ، وَاتَّبَعَهُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ حَاذَاهُ فِي الْمَشْيِ وَاتَّبَعَهُ لَحِقَهُ، وَمِنْهُ الْعَامَّةُ يَعْنِي: وَمِنْهُ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فَأَتْبَعَهُمْ وَجُنُودُ فِرْعَوْنَ قِيلَ: أَلْفُ أَلْفٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفٍ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَعُدُوًّا عَلَى وَزْنِ عُلُوٍّ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الْأَنْعَامِ. وَعَدْوًا وَعُدُوًّا مِنَ الْعُدْوَانِ، وَاتِّبَاعُ فِرْعَوْنَ هُوَ فِي مُجَاوَزَةِ الْبَحْرِ. رُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ فَوَجَدَهُ قَدِ انْفَرَقَ وَمَضَى فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّمَا انْفَلَقَ بِأَمْرِي، وَكَانَ عَلَى فَرَسٍ ذَكَرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، وَدَنَوْا فَدَخَلَ بِهَا الْبَحْرَ وَلَجَّ فَرَسُ فِرْعَوْنَ ورآه وَجَنْبُ الْجُيُوشِ خَلْفَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الِانْفِرَاقَ ثَبَتَ لَهُ اسْتَمَرَّ، وَبَعَثَ اللَّهُ مِيكَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسُوقُ النَّاسَ حَتَّى حَصَلَ جَمِيعُهُمْ فِي الْبَحْرِ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحَمْزَةُ: بِكَسْرِهَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ، أَوْ بَدَلًا مِنْ آمَنَتْ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ أَيْ: قَائِلًا أَنَّهُ. وَلَمَّا لَحِقَهُ مِنَ الدَّهَشِ مَا لَحِقَهُ كَرَّرَ الْمَعْنَى بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّلَعْثُمِ إِذْ ذَلِكَ مَقَامٌ تَحَارُ فِيهِ الْقُلُوبُ، أَوْ حِرْصًا عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ إِذْ فَاتَهُ وَقْتُ الْقَبُولِ وَهُوَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ وَبَقَاءُ التَّكْلِيفِ، وَالتَّوْبَةُ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ لَا تَنْفَعُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ «١» وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةِ الْآنَ فِي قَوْلِهِ: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ «٢» وَالْمَعْنَى: أَتُؤْمِنُ السَّاعَةَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ حِينَ أَدْرَكَكَ الْغَرَقُ وَأَيِسْتَ مِنْ نَفْسِكَ؟ قِيلَ: قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَلْجَمَهُ الْغَرَقُ. وَقِيلَ: بَعْدَ أَنْ غَرِقَ فِي نَفْسِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِي يُحْكَى أَنَّهُ حِينَ قَالَ: آمَنْتُ، أخذ جبريل من حال الْبَحْرِ فَدَسَّهُ فِي فِيهِ، فَلِلْغَضَبِ فِي اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَالِ الْكَافِرِ فِي وَقْتٍ قَدْ عَلِمَ أَنَّ إِيمَانَهُ لَا يَنْفَعُهُ. وَأَمَّا مَا يُضَمُّ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَشِيتُ أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ زِيَادَاتِ الْبَاهِتِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ، وَفِيهِ جَهَالَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْإِيمَانَ يَصِحُّ بِالْقَلْبِ كإيمان الأخرس، فحال الْبَحْرِ لَا يَمْنَعُهُ.

وَالْآخَرُ: أَنَّ مَنْ كَرِهَ الْإِيمَانِ لِلْكَافِرِ وَأَحَبَّ بَقَاءَهُ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: آلْآنَ إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ لَهُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ. فَقِيلَ: هُوَ جِبْرِيلُ.

وَقِيلَ: مِيكَائِيلُ. وَقِيلَ: غَيْرُهُمَا، لِخِطَابِهِ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ فِي نَفْسِهِ وَإِفْسَادِهِ وَإِضْلَالِهِ النَّاسَ، وَدَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ. الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ «٣» فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ. وَقِيلَ: هو استفهام


(١) سورة غافر: ٤٠/ ٨٥.
(٢) سورة يونس: ١٠/ ٥١.
(٣) سورة النحل: ١٦/ ٨٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>