وَالنُّذُرُ جَمْعُ نَذِيرٍ، إِمَّا مَصْدَرٌ فَمَعْنَاهُ الْإِنْذَارَاتُ، وَإِمَّا بِمَعْنَى مُنْذِرٌ فَمَعْنَاهُ الْمُنْذِرُونَ وَالرُّسُلُ. وَمَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلنَّفْيِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامًا أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ تُغْنِي الْآيَاتُ وَهِيَ الدَّلَائِلُ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيرِ. وَفِي الْآيَةِ تَوْبِيخٌ لِحَاضِرِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم من الْمُشْرِكِينَ. وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ، وَالْعَرَبِيَّانِ، وَالْكِسَائِيُّ: قُلِ انْظُرُوا بِضَمِّ اللام، وقرىء: وَمَا تُغْنِي بِالتَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَبِالْيَاءِ. وَمَاذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، والخبر في السموات. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ ذَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَصِلَتُهُ في السموات. وَانْظُرُوا مُعَلَّقَةٌ، فَالْجُمْلَةُ الِابْتِدَائِيَّةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مَاذَا كُلُّهُ مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَكُونُ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ: انْظُرُوا، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ بَصَرِيَّةً تَعَدَّتْ بِإِلَى، وَإِنْ كَانَتْ قَلْبِيَّةً تَعَدَّتْ بِفِي. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا تُغْنِي، مَفْعُولَةً لِقَوْلِهِ: انْظُرُوا، مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ: مَاذَا أَيْ: تَأَمَّلُوا نُذُرَ غِنَى الْآيَاتِ. وَالنُّذُرِ عَنِ الْكُفَّارِ إِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ، كَفِعْلِ قَوْمِ يُونُسَ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيُنْجِي مِنَ الْهَلَكَاتِ. وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا تَحْرِيضٌ عَلَى الْإِيمَانِ، وَتَجَوُّزُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، إِنَّمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُؤْمِنُونَ انْتَهَى. وَهَذَا احْتِمَالٌ فِيهِ ضَعْفٌ. وَفِي قَوْلِهِ: مَفْعُولَةً مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ مَاذَا، تَجَوُّزٌ يَعْنِي أَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْتِفْهَامِيَّةَ الَّتِي هِيَ مَاذَا في السموات وَالْأَرْضِ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ، لِأَنَّ مَاذَا مَنْصُوبٌ وَحْدَهُ بِانْظُرُوا، فَيَكُونُ مَاذَا مَوْصُولَةً. وَانْظُرُوا بَصَرِيَّةً لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَيَّامُ هُنَا وَقَائِعُ اللَّهِ فيم، كَمَا يُقَالُ أَيَّامُ الْعَرَبِ لِوَقَائِعِهَا. وَفِي الِاسْتِفْهَامِ تَقْرِيرٌ وَتَوَعَّدٌ، وَحَضٌّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْمَعْنَى: إِذَا لَجُّوا فِي الْكُفْرِ حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ، وَإِذَا آمَنُوا نَجَوْا، هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ. قُلْ فَانْتَظِرُوا أَمْرُ تَهْدِيدٍ أَيِ: انْتَظِرُوا مَا يَحِلُّ بِكُمْ كَمَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ.
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ: لَمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِمَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ المكذبة ومضرحا بِهَلَاكِهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حِكَايَةِ حَالِهِمُ الْمَاضِيَةِ فَقَالَ: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا، وَالْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ خَلَوْا أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ، ثُمَّ نَجَّيْنَا الرُّسُلَ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثُمَّ نُنَجِّي مَعْطُوفٌ عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: نُهْلِكُ الْأُمَمَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا عَلَى مِثْلِ الْحِكَايَاتِ الْمَاضِيَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ تَقْدِيرُهُ: مِثْلَ ذَلِكَ الْإِنْجَاءِ الَّذِي نَجَّيْنَا الرُّسُلَ وَمُؤْمِنِيهِمْ، نُنَجِّي مَنْ آمَنَ بِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيَكُونُ حَقًّا عَلَى تَقْدِيرِ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا. وَقَالَ أَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute